الاجتهاد، ولم يُبَال السَّيِّدُ بما تَحتَها من الغوائل والمناكير من تجهيل العلماء الأفاضل، والأئمة المشاهير، وما كنتُ أظُنُّ الغُلُوَّ ينتهي بالسيدِ -أيَّدَهُ الله- إلى هذه الغاية، ولا يتجاوَزُ به إلى هذا المقدار، وكيف تجاسَرَ السيدُ على إطلاقِ القول بأن أصحاب الشافعي المتقدمين قضَوْا بفقدِ مرتبة الاجتهاد، مستَرْوحاً بهذا القول المعلوم الفساد، محتجّاً به على الاستعسارِ للعلم والاستبعاد؟!
فأقول: ما شاءَ اللهُ، لا قوةَ إلا بالله، إن كان ذهَبَ العلمُ بالأدلة، فأين الحياءُ من العُلماء الجِلَّة؟! أين ذهب التوقيرُ لأئمة العِترة عليهم السلام؟ إلامَ صار التعظيمُ لعلماء الإسلام؟ كأنَّك ما عرفتَ أنَّ قدماءَ أصحابِ الشافعي قبلَ الهادي، والقاسم، ولا دَرَيْتَ أن كلامك يقضي بتجهيل عوالِمَ من أولادهما الأكارِمِ، أما علمتَ أن بحارَ العلوم الإسلامية. ما تَموَّرت إلا بعدَ أصحاب الشّافعي؟ أتُرَجَّحُ تجهيلَ أقمارِ الهُدى لِروايةٍ حُكِيَتْ عن المَرْزِي، والرّافِعِي؟ ما هذه العصبية؟ إنها لَمِنْ أعظم البلية. وقبل الجواب على السيد -أيَّده الله- نذكر بحثاً حسناً في قوله:" ولا نُزكِّي على الله أحداً " كما جاء في الحديث مسنداً.
فنقول: أخبرني مِن أيِن جاءَ هذا الحديثُ مسنداً؟ فإن قلت: إنه جاء مسنداً مِن طريق المحدثين، فما لك مرتكباً ما نَهَيْت عنه، وفاعلاً ما حذَّرْت منه؟! وقد قيل:
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه ... عَارٌ عَليْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ (١)
(١) أنشده سيبويه ٣/ ٤١ للأخطل، والمشهور أنه لأبي الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو ملحقات ديوانه ١٣، ونسب أيضاً إلى سابق البربري والطرماح والمتوكل الليثي وقال البغدادي قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: الصحيح أنه لأبي الأسود. انظر " خزانة الأدب " ٣/ ٦١٧، =