وأما أتباع أبي حنيفة، فمنهم من وافقه على مذهبه هذا، فلم يشترط فقه الراوي وهو الذي ذهب إليه أبو الحسن الكرخي، ومنهم من اشترط فقه الراوي، فقال: إن خبر الفقيه يجب العمل به وإن خالف القياس وخبر غير الفقيه المعروف بالرواية أيضاً مقبول يُترك به القياس، إلا إذا خالف جميع الأقيسة وانسد باب الرأي بالكلية، وهو مختار الإمام عيسى بن أبان والقاضي أبي زيد، ووجه هذا القول: أن النقل بالمعنى شائع، وقلما يوجد النقل باللفظ، فإن حادثة واحدة قد رويت بعبارات مختلفة، ثم إن تلك العبارات ليست مترادفة، بل قد روي ذلك المعنى بعبارات مجازية، فإذا كان الراوي غير فقيه، أحتمل الخطأ في فهم المعنى المراد الشرعي، وإن كان هو عارفاً باللغة، وإذا خالف الأقيسة بأسرها وانسد باب الرأي، قوي ذلك الاحتمال قوة شديدة فلم يبق ظن المطابقة، فسقطت الحجية، وصار كالخبر المروي فيما ابتلي به العوام والخواص مخالفاً لعملهم. وبهذا تعلم أن الخلاف قائم فيما إذا روى الحديث بالمعنى، وأما إذا رواه بلفظه فلا خلاف في قبول خبره، وتقديمه على القياس إذا كان الراوي مستوفياً شروط القبول، ولو كان غير فقيه. (٢) أي في الشرعيات فقط لا مطلقاً، وقد فصل القبول في هذه المسألة وأجاد العلامة المطبعي في حاشيته " سلم الوصول " ٢/ ٢٩٥ - ٣٠٢، فليراجع. (٣) انظر تفصيل القول في الماء المستعمل، في " البناية " للفقيه العيني ١/ ٣٤٤ - ٣٥٤.