للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موجود بالمرة، والعمومُ غيرُ صريح، فإن السَّيِّد أقر أن الآيةَ في معنى العموم.

ومثالُ ذلك أن الرجلَ لو قال لغيره: وكَّلْتُكَ أن تشتري لحماً بهذه الدراهمِ، وكان العُرف السابقُ إلى الأفهام في بلدهم أن المرادَ باللحم لحمُ البقر والغنم ونحوها من الأنعام، فشرى له لحمَ حوتٍ أو صيدٍ أو طيرٍ، أو لحمَ ضَبُعٍ أو ثعلبٍ إن كانوا يَرَوْنَ جَوازَ ذلك وغير ذلك، وكذا لو وَكَّلَه أن يشتريَ له حَبّاً والعُرَف معهم في الحَبِّ للبُر والشعير، فاشترى له دُخناً أو نحوه، وكذا لو باعَ منه ثوبَه بمدٍّ أو صاع، ولم يُعين أيَّ نوع، انصرف إلى العُرف، كما في زماننا: لو أقر بزبدي (١) لم يكن زبدي حلبةٍ ولا ملح ولا حِلْف (٢) ولا نحو ذلك، إذا تقرر هذا، فقد قال بعضُ العلماء: إن لفظَ النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك لا يتناولُ إلا الموجوداتِ المستعملاتِ، وكأن هذا ذهب إلى أن استعمالَ اللفظ في الموجود المستعمل كثيراً قد صار عرفاً، وطَرَّد الباب وهذا صحيح إذا صحت هذه القاعدة، فإنه لا خلاف أن الشيء -إذا كان له حقيقتان عُرفية ولُغوية- إن العُرفية هي المعمولُ عليها، المصروفُ إليها كلامُ الله تعالى، وكلام رسوله عليه السلام.

إذا تَقرَّرَ هذا فاعلم أن المتأوِّلين في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنظر إلى الفُساقِ كلحم الصيد والطيرِ بالنظر إلى اللحوم المستعملة، بل لحمُ الصيد والطير أعرفُ في زماننا، لأنَّه موجود كثير، ولكن استعمال غيره أكثرُ، فكان حملُ اللفظ على الأكثر هو الواجب، فكيف والمتأوِّل معدوم في زمانه - صلى الله عليه وسلم - وقتَ نزولِ هذه الآية؟ أليس يكونُ حملُ اللفظ على الموجود دونَ


(١) الزبدي: مكيال كان مستعملاً في عصر الدولة الرسولية.
(٢) والحلف: نوع من التوابل.

<<  <  ج: ص:  >  >>