المسلم والمؤمن لم يكن معلوماً أنَّه يفهم من إطلاق أهل العلم لهما في ذلك الزمان، أنهما يُفيدان عدمَ فسق التأويل، ولا ثبوتَه، وأما اليومَ، فقد صار العارفُ لا يُطْلِقُ هذه اللفظة على فاسقِ التأويل، فلو قال العارف اليوم في فاسق التأويل: إنَّه مسلم كان تزكيةً له من فسق التأويل، ولو قال ذلك قائلٌ في الصدر الأول، جاز أن لا يكون تزكيةً من فِسْقِ التأويل.
ويدُلُّ على هذه التفرقة بين الأزمان في جواز إطلاق الأسماء وعدمه أن أهل البيت عليهم السلامُ لا يُجيزون أن يُسمَّى الكافِرُ فاسقاً في الزمان الأخير، لأن تسميته بذلك تُفيد أنَّه ليس بكافر وقد ثبت بالنصوص المتقدمة أنه كان يُسمى فاسقاً في الزمان الأول، وهذا دليل واضح.
فإن قلت: كيف يجوز أن يُسمى مسلماً في ذلك الزمان وهو اسمُ مدح، والفاسقُ لا يستحق المدحَ؟
قلتُ: كما يجوزُ أن يسمى مُوحِّداً ومصلياً وحاجّاً، وذلك لأن هذه أسماء فاعلين، وكُل من فعل فعلاً حسناً أو قبيحاً، اشتق له منه اسم، وإذا فعَل الفاسِقُ ما يستحِق أن يُمدح به، مُدِحَ بما فعل، كما يُوصَفُ حاتِم بالكرم، وعنترةُ بالشجاعة ولا مانع من هذا، وإنما يمتنع مدحُه على فسقه أو مدحُه على الإطلاق، فإن قدرنا إنَّه منع من هذا مانعٌ، لم يمنع من مجرد التسمية، فقد تصِحُّ التسميةُ من غير مدح، ويكون الوجه أن المدح لا يستحق إلا مع عدم الإِحباط، وأما مع الإحباط، فلا يكون مدحاً ولكن ليس بلازم إذا حَبط الثواب أن يَبْطُلَ اشتقاق اسم الفاعل، ودليلُه تسميةُ الفاسق موحِّداً، وأما المقدمة الثانية -وهو أن المسلم مقبول- فسوف يأتي الدليلُ عليها في الفصل الثاني، إن شاء الله تعالى.