للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: لكنه قد علَّل تعليقه للحكم على تلك الصفة بخوف الإصابة بالجهالة، وذلك واضح في الآية لقوله: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: ٦] وهذه العلة غير حاصلة في خبر المتدين المتأوِّل، فإن خبره يُفيد الظنَّ الراجحَ، والظن الراجحُ ليس بجهالة لوجهين:

أحدُهما: أنَّه قد ورد تسميتُه علماً في لسان العرب مثل ما ورد تسمية العلم ظناً، كذلك في قوله تعالى حكاية عن أولاد يعقوب عليه السلام: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} وقد احتج بها في " شفاء الأوام " في باب الشهادات، وما ثبت أنَّه يُسمى علماً في اللغة، فلا يسبق إلى الفهم أنَّه يسمى جهالة.

وثانيهما -وهو المعتمد- أنا نظرنا في الجهالة: هل المرادُ بها عدم العلم أو عدمُ الظن؟ فوجدنا (١) عدمَ الظن لا عدمَ العلم، وإنما قلنا: ليست عدمَ العلم، لأن العلمَ لا يَحْصُل أيضاً بخبر المسلم الثقة، وكذلك لا يَحْصُلُ بخبرِ الثقتين، فثبت أن الجهالة تنتفي بحصول الظن، والظنُّ حاصل مع خبر المتأول المتدين فوجب قبولُه، وقبولُ كل خبرٍ يُفيدُ الظنَّ إلا ما خرج بالأدلة القاطعة أو الراجحة الخاصة.

وقد قال القرطبي (٢): في هذه الآية الكريمة سبعُ مسائل. ذكرها كلها حتى قال: السابعةُ فإن قضى بما يَحْكُمُ على الظن لم يكن ذلك عملاً بجهالة كالقضاء بشاهدَيْنِ عدلينِ، وقبولِ قول عالم مجتهد. انتهى.

وهذا صريح في المعنى الذي قصدتهُ ولله الحمد، أفاده النفيسُ


(١) في (ب) و (ش): فوجدناها.
(٢) ١٦/ ٣١١ - ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>