للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقصود قطعاً، إذ كان المجاهدُ حين يهوي إلى الكافر ليطعنه، أو يضرِبَه، أو يقتله قد مال إليه كميل الإناء أو أشد، ولكن لمضرته، وإنما المحرم الميلُ المجازي، ولا بدَّ من مخالفته للميل الحقيقي، كما أن الأسد المجازي يُخالِفُ الأسدَ الحقيقي.

وقد قال العلامة أبو حيَّان الأندلسي إمامُ اللغة والعربية والتفسير (١):

إِن معناها: ولا تطمئِنُّوا (٢)، فجعل المجازَ المشبه بالميلِ الحقيقي هو الطمأنينة، ولا يمنعُ منه قولُه: {شَيْئًا قَلِيلًا} لأن الطمأنينة يُوصَف قليلُها بالقلة، وكثيرُها بالكثرة، لأن القِلة والكثرةَ أمران عُرفيان إضافيان، وليسا ذَاتِييْنِ حقيقيين، يُوضِّحه أنَّه يصِحُّ أن تقول: ولا تطمئنوا إليهم شيئاً قليلاً، كما يَصِحُّ أن تقول: ولا تطمئنوا إليهم كثيراً.

والتحقيق: أن الرمخشري ذكر أصلَ الركونِ في الوضع اللغوي مبالغةً في البحث والزجر، وأبا حيان ذكر المعنى العُرفي المستعمل السابق إلى الأفهام فيما نقلت إليه هذه اللفظة، ولا شَكَّ في تقدم الحقيقة العرفية على اللغوية كما ذكروه في الدابة والقارورة ولا يَشُكُّ منصفٌ أن (٣) الركونَ اللغوي الذي ذكره الزمخشري غيرُ مراد، وأن حقيقتَه في ميل جسومنا إلى جسومهم، وأن كلام أبي حيان معروف، وأن الركونَ إلى القوم صار في العُرف بمعنى السكون إليهم، والطمأنينة بهم، وفي ترك هذا المعنى وسائر أقوال المفسرين مِن الصحابة والتابعين، والاقتصار على أصل الوضع تضييعٌ للتفسير، ومجانبةٌ للتحقيق، فتأمل ذلك. والله أعلم.


(١) لفظ " والتفسير " ساقط من (ب).
(٢) لم يذكره في تفسيره ٥/ ٢٦٩، ولعله في " الغريب ".
(٣) في (ب): في أن.

<<  <  ج: ص:  >  >>