للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويضعف ما يدلُّ على التحريم من الأحاديث إما مطلقاًً، وإما بالنسبة إلى ما عارضها، أو الجمع مع تسليم الصحة، إما بإدعاءِ النسخ كما تقدَّم في الآية، أو بحمل النهي على الكراهة بدليل حديث: " إِنَّ امرأتي لا تَردُّ يَدَ لامِسٍ ".

وأكثرُ من هذا ما ذهب إليه زيد بن علي عليه السلامُ، وجماهير الفقهاء، واختاره الإِمام يحيى بن حمزة، وادَّعى أنَّه إجماع الصدرِ الأول، وذلك جوازُ نكاح الذِّمِّية مِن اليهود والنصارى وهو ظاهرُ القرآن (١)، لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] وهذه الآية أخصُّ مِن قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] والواجب حملُ العام على الخاص، لا حملُ الخاص على العام، ولذلك أجمعوا على تقديمِ قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤]


= وأطلق النووي عليه الصحة، وقال ابن كثير في تفسيره ٦/ ١٠: إسناده جيد.
والظاهر أن قوله: لا تردُّ يدَ لامسٍ أنها لا تمتنع ممن مد يده ليتلذذ بلمسها، ولو كان كنى به عن الجماع لعد قاذفاً، أو أن زوجها فهم من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة، لا أن ذلك وقع منها.
وقال ابن كثير ٦/ ١١: وقيل: المراد أن سجيتها لا ترد يد لامس، لا أن المراد وقع هذا منها، وأنها تفعل الفاحشة، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها، فإن زوجها -والحالة هذه- يكون ديوثاً وقد تقدم الوعيد على ذلك، ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفراقها، فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها، لأن محبته لها محققة، ووقوع الفاحشة منها متوهم، فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) انظر الطبري ٩/ ٥٨١ - ٥٩٠، و" زاد المسير " ٢/ ٢٩٦ - ٢٩٧، والقرطبي ٣/ ٦٦ - ٧١، و" روح المعاني " ٦/ ٦٥ - ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>