للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتديُّنُه، وإن لم يثبت عُرف، لم يكن له في الآية حُجَّةٌ علينا ظاهرة تحرم المخالفة، فكان الظاهرُ الإجمال، لأنا إن قدَّرْنا أن المضمر المحذوف شيء معين، كان تحكُّماً، وإن قدرنا جميعَ الأمور المحتملة، كان تقديرُ ذلك لا يجوزُ، لأن إضمارَ واحدٍ يكفي، والزيادةُ من غير ضرورة محرمة، واللفظُ لا يدل على العموم في تلك المضمرات، ولأنَّ القولَ بأن الله أراد كذا وكذا فيما لم يدُلَّ عليه اللفظُ ولا العقل، قولٌ على الله بغير علم ولا ظن، وذلك محرم إجماعاً مع ما وَرَدَ من تحريم التفسير بالرأي وسيأتي في آخر الكتاب. والقويُّ أنَّه لا عُرْف في لفظة الركون على انفرادها، لكنها إذا أُضِيفَتْ إلى صفةٍ مذمومة، وتعلَّق بها التحريمُ، كان المفهومُ في العرف أن التحريم يتعلق بتلك الصفة المذمومة، فيكون المعنى: ولا تركنوا إلى الذين ظَلمُوا في ظلمهم، كما أن المعنى في قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: ١٥] في إنابتهم، لا في مطاعمهم ومشارِبهم وسائرِ مباحاتهم، والعُرف شائع في نحوه، فإن سَلِمَ، بطلت الحُجَّةُ، وإن نُوزِعَ فيه، فالنزاعُ في ما عداه أشدُّ، والفهمُ لغيره أبعدُ، والله أعلم. وَيعْضُدُه ما ذكره الإمامُ محمد بن المطهّر بن يحيى أن الموالاةَ المجمع (١) على تحريمها إذا كانت لأجلِ الموالى عليه مِن القبيح، ومن الظن أنَّه (٢) القدر المتحقق إرادته، والزائد عليه قول بغير علم، ويَدُلُّ على ذلك كثرةُ المقيدات لإطلاق النهي عن الركون، ولو لم يرد في ذلك إلا قولُه تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين} الآية، ولذلك قالت الهادوية مع تشديدهم في ذلك: إنَّه يجوز محبةُ العاصي لِخَصْلَة خيرٍ فيه.


(١) في (ب): المجتمع.
(٢) في (ب): أن.

<<  <  ج: ص:  >  >>