للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخَافَ الخلودَ في النار، ولو كان إلى مجرد الحياءِ من الله تعالى، وإلإِجلالِ له، والقيامِ بحقه لم يرفع إلى ذلك رأساً، ولا هَمَّ به أبداً، فهذه طبيعة شرارِ العبيد، وخِساس الهِمَمِ، ولهذا قيل: والعبد لا يَرْدَعُهُ إلا العَصَا، وإن كثيراً من الصالحين المتوسطين -دَعْ عنكَ الأكابر- لو يعلمُ أنَّ الله قد غَفرَ له كُلَّ ذنب، ولكنه يكره المعصيه منه، ولا يرضاها له، ولا يأذَنُ له بها لمْ يَفْعَلْهُ لو أرِيقَ دمُه، وفارق روحَه، وقد روي في الحديث " نِعْمَ العَبْدُ صهيْبٌ لَوْ لَمْ يخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ " (١) بل هذه حالُ كثير من المحبين للمخلوقين فيما بينَهم، وفي ذلك يقول شاعرُهم:

أهَابُكِ إجْلاَلاً ومَا بِكِ قُدْرَةٌ ... عَلَيَّ وَلكِنْ مِلءُ عيْنٍ حَبِيبُهَا (٢)

فهذا معلوم فيما بينَ المتحابين من المخلوقين والذين آمنوا أشدُّ حبّاً لله.


(١) قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص ٤٤٩: اشتهر في كلام الأصوليين، وأصحاب المعاني، وأهل العربية من حديث عمر، وذكر البهاء السبكي إنَّه لم يظفر به في شيء من الكتب، وكذا قال جمع جم من أهل اللغة، ثم رأيت بخط شيخنا (الحافظ ابن حجر) أنه ظفر به في " مشكل الحديث " لأبي محمد بن قتيبة، لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسناداً، وقال: أراد أن صهيباً إنما يطيع الله حباً، لا مخافة عقابه.
وقال السيوطي -فيما نقله عنه القاري في " الموضوعات الكبرى "- في " شرح نظم التلخيص ": كثر سؤال الناس عن حديث " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " ونسبه بعضهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونسبه ابن مالك في "شرح الكافية" وغيره إلى عمر رضي الله عنه، قال الشيخ بهاء الدين السبكي: لم أر هذا الكلام في شيء من كتب الحديث لا مرفوعاًً ولا موقوفاً لا عن عمر رضي الله عنه ولا عن غيره مع شدة التفحيص عنه.
(٢) وبعض المفسرين ينشدونه عند قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} لتوجيه قراءة من قرأ برفع الهاء من لفظ الجلالة، ونصب الهمزة من العلماء، ونسبوها إلى أبي حنيفة، وتكلفوا توجيهها، وهي قراءة موضوعة لا تصح نسبتها إليه، افتعلها وغيرها الخزاعي، ونسبها إلى أبي حنيفة. وراج صنيعه ذلك على أكثر المفسرين. بين ذلك ابن الجزري في " النشر " ١/ ١٦، فراجعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>