للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتائبين لجهل الخواتِم، كيفَ المُصِرِّينَ؟ فلو كان السببُ في العِصيان هو قِلَّةَ الدواعي إلى الطاعة (١) وكثرةَ الصوارف عنها، ما كانت فِرقةٌ من فرق الإسلام إلا وهي مجروحة في العدالة، غيرُ مقبولة في الشهادة والرواية، ولكان العدْل من اعتقد أن الله لا يَقْبَلُ التوبةَ، ولا يُقِيلُ العَثْرَةَ، ولا يَغْفِرُ الخطيئة، لأن المعتقد لهذه العقيدة أبعدُ الناس عن المعاصي، ولكن ليس الأمر كذلك، فقد بيَّنا في الوجه الأول أن وجودَ الطاعة ليس بحسب الاعتقاد، إنما هو بحسب كرمِ النفوس، وشرفِ الطباع، ولهذا اختلف الكفار المصرَّحون في التلطخ بالرذائل، والصبر على المكارم والفضائل مع إنكارهم الجميع للمعاد الأخروي، فإنه كان فيهم من يتحمَّلُ من مشاقِّ مكارِمِ الأخلاق والمعروف ما يقومُ في المشقة مقامَ تَحَمُّلِ واجبات الشريعة، وكذلك كانوا يجتنبون المَذَامَّ وإن كانت شهيةً محبوبة؛ ولهذا قال حاتم:

وإنكَ إنْ أعْطَيْت بَطْنكَ سُؤله ... وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهَى الذَّمِّ أجْمَعَا (٢)

ولهذا كان فيهم السيدُ والمسودُ على قدر تفاضلهم في الصبر على المكاره، واحتمال مشاقِّ المكارِم، ولهذا قيل:

لَوْلَا المشقَّةُ سادَ النَّاسُ كلُهُمُ ... الجُودُ يُفْقِرُ والإقْدام قَتَّالُ (٣)


= المجاهيل. فالخبر مع كونه موقوفاً ضعيف. وأورده السيوطي في " الدر المنثور " ٦/ ١٩٩، وزاد نسبته لعبد الرزاق، وابن راهويه، وأحمد في " الزهد "، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في " الشعب ".
(١) إلى الطاعة: سقط من (ب).
(٢) البيت في ديوان حاتم ص ٦٩، و" البيان والتبيين " ٣/ ٣٠٨، و" أمالي القالي " ٢/ ٣١٨، وحماسة أبي تمام ٢/ ٢٣٢، و" عيون الأخبار " ١/ ٣٤٣، و" شرح شواهد المغني " ٥/ ٢٣٨ و٣٥٠ و" الهمع " ٢/ ٥٧، و" الدرر " ٢/ ٧٣، والأشموني ٤/ ١٢.
(٣) البيت للمتنبي في ديوانه ٣/ ٢٨٧ من قصيدة سائرة يمدح بها أبا شجاع فاتكاً سنة =

<<  <  ج: ص:  >  >>