يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء} [المائدة: ١٨] وهذا عجيبٌ كأنَّه لم ينزل من السماء إلا هذه الآية، والجواب عليه من وجوه:
الوجه الأول: أن هذه الآية مجملةٌ، وقد ورد بيانُها، وقد أجمع أهلُ مِلَّةِ الإِسلام على أنَّه إذا وَرَدَ المجملُ والمبيَّن أنَّه يُعمل على المبيّن، فإما أن يقولَ السيِّدُ: إنَّه لم يَرِدْ لهذه الآية بيانٌ في السمع، أو يقول: إن مذهبهم اعتقادُ المجمل، وطرح المبين، وكلاهما عِناد ومباهتة ما أظنُّه يرضاه لنفسه.
الوجه الثاني: أن نقول: لو سلمنا أنَّه ليس في القرآن، ولا في السُّنَةِ بيانٌ لهذه الآية المجملة، ولا تخصيصٌ لما فيها مِن العموم، لما لزمهم ذلك لأنَّ لهم أن يقولوا: قد علم ضرورةً من الدين أنَّ الله يُدْخِل المطيعينَ الجنة، وقد علمت ضرورة من مذهب الجبرية أنَّه إذا ورد مجمل عام، وعُلِمَ من الدين بيانُه وتخصيصُه بالضرورة والتواتر أنهم يعتقدونَ ما دلّ عليه المبين الخاص المتواتر، فإن كان السَّيِّد شَكَّ في أن ذلك مذهبُهُم، فليسأل، فإنما شِفاء العِيِّ السُّؤَالُ.
الوجه الثالث: لو سلمنا أنَّه لا دَلِيلَ يَدُلُّ على بيان هذه الآية من السمع، وأنه لا يدل عليها إلا دليلٌ العقل الذي لم تستند إليه الجبرية، لما لزم ذلك أيضاًً، لأنا نعلمُ بالضرورة والتواتر عنهم أنَّه (١) يعتقدون إثابةَ المطيعين، وعقوبةَ العاصين، واعتقادُهُم يكفينا في ظَنِّ صدقهم، سواء كان مستنداً إلى دليلٍ صحيح أو باطل.
الوجه الرابع: أن قولَ السيد: إنهم لا يعلمون مَن يشاءُ الله أن يغفِرَ