للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفقهاءُ إنَّما قَبلُوا أخبارَ من هو كافر عندنا، لأنهم لم يعتقدوا فيه أنَّه كافر.

قال أبو الحسين: والأولى أن يُقبل خبرُ من كفر أو فسق بتأويل إذا لم يخرج من أهل القبلة وكان متحرِّجاً، لأن الظنَّ لصدقه غير زائل، وادعاؤه الإِجماعَ على نفي قبولِ خبرِ الكافر على الإطلاق لا يَصِحُّ، لأن كثيراً من أصحابِ الحديثِ يقبلون أخبار سلفنا رحمهم الله كالحسن (١) وقتادة (٢) وعمرو (٣) مع علمهم بمذهبهم وإكفارِهم مَنْ يقول بقولهم، وقد نصُّوا على ذلك.


(١) هو الحسن بن أبي الحسن البصري يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري المتوفَّى سنة (١١٠) هـ. كان رحمه الله -كما وصفه ابن سعد- جامعاً، عالماًْ، رفيعاً، فقيهاً، ثقة، حجة، مأموناً، عابداً، ناسكاً، كثير العلم، إلا إنَّه مع جلالته -كما يقول الذهبي- مدلس، ومراسيله عن الضعفاء ليست بذاك. وقال أبو سعيد بن الأعرابي: كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء، فيتكلم في الخصوص حتى نسبته القدرية إلى الجبر، وتكلم في الاكتساب حتى نسبته السنةُ إلى القدر، كل ذلك لافتنانه، وتفاوت الناس عنده، وتفاوتهم في الأخذ عنه، وهو بريء من القدر، ومن كل بدعة، وقد روى له الجماعة. " سير أعلام النبلاء " ٤/ ٥٦٣ - ٥٨٨.
(٢) هو قتادة بن دِعامة بن قتادة بن عزيز، حافظ العصر، وقدوة المفسرين والمحدثين، أبو الخطاب السَّدوسي البصري الضرير الأكمة، المتوفَّى سنة (١١٨) هـ، كان من أوعية العلم، وممن يُضرب به المثل في قوة الحفظ، خرَّج حديثَه الجماعة. قال الإمام الذهبي: هو حجة بالإجماع إذا بيَّن السماع، فإنه مدلس معروف بذلك، وكان يرى القدر، نسأل الله العفو، ومع هذا فما توقف أحد في صدقه، وعدالته، وحفظه، ولعل الله يَعذِر أمثاله ممن تلبَّس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حَكمٌ عدل لطيف بعباده، ولا يُسأل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثُر صَوابُه، وعُلم تحرِّيه للحق، واتَّسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحه وورعه واتباعه، يُغفر له زلَلُه، ولا نُضلِّله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك. " سير أعلام النبلاء " ٥/ ٢٦٩ - ٢٨٣.
(٣) هو عمرو بن عُبيد بن باب الزاهد، العابد، القدري، كبير المعتزلة وأوَلُهم أبو عثمان البصري، جالس الحسن البصري، وحفظ عنه، واشتهر بصحبته، ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة، فقال بالقدر ودعا إليه، وقد ضعفه غير واحدٍ من الأئمة. مات سنة (١٤٤) هـ بطريق مكة. مترجم في " سير أعلام النبلاء " ٦/رقم الترجمة (٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>