للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا عرفتَ هذا، قلا تعتقد أن تفضيلَ أئمة العِترة عليهم السَّلامُ، وأئمة الفقهاء رضي الله عنهم يمنع مِن القول بأنَّ أَهْلَ الحديثِ أكثرُ ضبطاً للحديث، وكشفاً للمشكل، وتمييزاً للصحيح من الضعيفِ، وفصلاً للمشهورِ عن الغريب، فكما كان المرجعُ في القرآن حروفاً وإعراباً ونحواً ولغة إلى القراء والنحاة واللغويين، ولم يقتضِ ذلك تفضيلاً لهم على الأئمة والفقهاء، فكذلك المرجعُ في علوم الحديثِ إلى المحدّثين وإن كانوا في الفضل عن درجةِ العِترة ناقصين، وليس ذلك لِقلةٍ في علوم العِترة عليهم السلامُ، ولكن لأنَّهم لم يشتغلوا بالتصنيف إيثاراً لما هو أَهَمُّ منه من الجهادِ، وإصلاحِ أمورِ العامة، وكذلك أئمة (١) الفقهاء، فإنَّهم اشتغلوا بما هُوَ أَهَمُّ مِن ذلك من معرفة الحلال والحرام، وتعليمِ الناس وإفتائهم، ولهذا فإنَّ مسندَ الشافعي غيرُ معتمد عند الشافعية لِقلة حديثه، واشتماله على كثيرٍ من الأحاديثِ الواهيةِ والأسانيدِ الضعيفة، وكذلك مسندُ أبي حنيفة (٢).

وقال الزمخشري (٣) في تفسيرِ قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُم اللَّهُ} [المائدة: ٤]: إن فائده قوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ} أن يكونَ من يُعَلِّمُ الجوارح تحريراً في علمه، مُدَرَّباً فيه، موصوفاً بالتكليب (٤)، وفيه فائدةٌ جليلة، وهو أن على كُلِّ آخِذٍ علماً أن


(١) ساقطة من (ج).
(٢) هذا ذهول عجيب من المؤلف رحمه الله، فالشافعية والحنفية يعتمدون ما في المسندين، وينقلون عنهما، ويحتجّون بما فيهما إن صحَّ السند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكتب التخريج من كلا المذهبين خير شاهد على ذلك.
(٣) " الكشاف " ١/ ٥٩٤.
(٤) في (ب): بالكلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>