للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسي، وأُسْمِعُ منْ بِجَنْبِي، وقد قال زيدُ بن عليٍّ: مَنْ أسمع أُذُنَيْهِ فَلَمْ يُخَافِتْ (١).

ومذهبُ الهادي عليه السلام أنَّ أقَلَّ الجَهْرِ أنْ يُسْمِعَ الإنسانُ مَنْ بِجَنْبِهِ، وذلك أيضاً أقل المخافتة، فمَنْ فَعَلَهُ، فقد أَخَذَ بالإجماعِ (٢) مِنْ أَهْلِ المذْهبِ وَمَنْ يُوافِقُهمُ على قولهِمْ هذا؛ لَأنَ القائِل بأنَّ السنَةَ المخافَتَة، يقول: هذه مخافتةٌ، والقائل بأنَّ الجَهْرَ السُّنَّةَ، يقول: هذا جهر.

فإنْ قُلْتَ: كيفَ يَصِح عند أهلِ المذهب أن يكونَ المتكلِّم جاهِرَاً مخافِتَاً في حالةٍ واحِدَةٍ.

قلت: لأنَّ الجهرَ والمُخافَتَةَ مِنَ الأُمورِ الإضَافِيَّةِ دونَ الحقيقَةِ، والأمورُ الإضافِيةُ يَجوز فيها ما صورَتُه صورةُ المناقَضَةِ، وليس في معناه مناقضةٌ، وذلك مثلُ القَبْلِيَّة والبَعْدِيَّةِ، فإنَّهما لما لَمْ يكونا مِنَ الأعراضِ الحقيقيَّة جازَ في الشَّيْءِ أنْ يكونَ قَبْلاً وبَعداً بالنظرِ إلى زمانين أو مكانين، فاليومُ قَبْلُ بالنَّظَرِ إلى غدٍ، وبَعْدُ بالنظر إلى أمس، بخلاف السواد والبياض، فإنَّهما عَرضَان حقيقيَّان، فلا يجوز في الشَّيْء أن يكونَ أبيض بالنظر إلى أمرٍ، وأسودَ بالنظر إلى أمرٍ آخر.

فإذا عرفتَ هذا، فاعلم أنَّ الجَهْرَ والإخفات ليسا مِنَ الأمور الحقيقيةِ الثبوتيَّة، وإنما هما اسمانِ إضافيان، ونعتان لفظيَّان، كالصِّغَرِ والكِبَرِ، والكَثْرَة، والقِلَّةِ، فالمتكلِّمُ المُسْمِعُ مَنْ بِجَنْبِهِ جاهرٌ بالنظر إلى منْ لم يُسْمِعْ


(١) في (ب) و (ش): " ما خافت من أسمع أذنيه ".
(٢) في (ش): " الإجماع ".

<<  <  ج: ص:  >  >>