يُجاوِز الوصف، يتقيِّدونَ بالعمل بنصوص الأدلة، ويعتمدون على ما صحَّ في الأمهات الحديثية، وما يلتحق بها مِن دواوين الإسلام المشتملة على سنة سيد الأنام، ولا يرفعون إلى التقليد رأساً، لا يشوبون دينَهم بشيء من البدع التي لا يخلو أهلُ مذهب من المذاهب من شيء منها. بل هُم على نمط السلف الصالح في العمل بما يدل عليه كتابُ الله، وما صحَّ من سنة رسول الله مع كثرة اشتغالهم بالعلوم التي هي آلات علم الكتاب والسنة من نحوٍ وصرفٍ وبيانٍ وأصولٍ ولغةٍ، وعدم إخلالهم بما عدا ذلك من العلوم العقلية. ولو لم يكن لهم مِن المزية إلا التقيدُ بنصوصِ الكتاب والسنة، وطرح التقليد، فإن هذه خصيصة خصَّ اللهُ بها أهل هذه الديار في هذه الأزمنة الأخيرة، ولا تُوجد في غيرهم إلا نادراً" (١).
أما سببُ تفرد اليمن بظهور علماء مجتهدين ملتزمين بالعملِ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم غير ميِّالين إلى أيِّ مذهب من المذاهب الإسلامية المعروفة، فيرجِعُ إلى أن المذهب الزيدي في أصل عقيدته يدعو إلى الاجتهاد، فلم يَحجُرْ على أتباعه حريةَ التفكير، ولا قيَّدهم بالتزام نصوصه وآرائه، ولكنه أطلق لهم العِنَانَ، وترك لهم الخِيار بعد أن جعل بات الاجتهاد مفتوحاً لمن حذق علومه واستوفى شروطه؛ فكان هذا حافزاً لمن وهبه اللهُ ذكاءً وفِطنة، ورزقه فهماً وبصيرة أن يعملَ بما أوصله إليه اجتهادُه من أدلة الكتاب والسنة، فكان الإمام محمد بن إبراهيم الوزير أبرزَ منْ بلغ أقصى درجاتِ الاجتهاد المطلق، وكذلك الحسن بن أحمد الجلال (١٠١٤ - ١٠٨٤) وصالح بن مهدي المَقْبلي (١٠٣٨ - ١١٠٨) ومحمد بن إسماعيل الأمير (١٠٩٩ - ١١٨٢) ومحمد