للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: الجوابُ عن هذا بعْدَ تسليم كَوْنهِ إجماعاً واضحٌ عنْدَ مَنْ لَهُ أدنى تمييزٍ، وذلك لأنَّ هذِهِ الإجماعاتُ التي في المسائِلِ إجماعاتٌ ظَنيَّةٌ، والدَّليلُ الظَّنِّي يجوز مُخَالَفَتُهُ لأِرْجحَ منه، وإنْ كانَ ذلك الدَّليلُ مِنَ الكِتابِ والسُنَّةِ، مع أنَّ مَنْ أنكر أنَّهما حُجَّةٌ كَفَرَ، فكيف بإجماعَيِ الُأمَّةِ والعِتْرَةِ اللَذَيْنِ منْ أَنْكَرَ كوْنَهمَا حُجَّةً، لم يُكَفرْ، وَلَمْ يُفَسَّقْ؛ هذا في مَنْ أنكر القَطْعِيَّ مِنْهُما والظَّنِّيَّ، وإنَّما فَسَّقُوا مَنْ خَالَفَ إجماع الُأمَّةِ القَطْعِيَّ، لا مَنْ قال: إنَّه (١) لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فلا يقَعُ في هذا وَهْمٌ، فأمَّا الإجْمَاعُ الظَّنِّيُّ، فلم يَقُلْ أحدُ: إنَّ مُخَالِفَهُ يَفْسُقُ، دع عنك مُنْكِرَهُ، بل قال بعض العُلماء: إنَّ الإجْمَاع الظنِّيَّ: ليس بحُجَّةٍ البَتَّةَ، وَلَمْ أعلمْ أنَّ في أهل العلم مَنْ خَرَجَ على المُخَالفِ في الإجماع الظَّنِّيِّ.

وقد نصَّ الإمام يحيى في "المعيار" أنَّ الخبَرَ الظَّنِّيَّ يُقَدَّمُ على الإِجماعِ إذا لم يثبُتْ أنَّ أهل الإجماعِ قد عَلِمُوا بِهِ، وَخَالفُوهُ بعد العلْمِ به (٢)، فإنْ خالَفُوهُ بعدَ العِلْمِ بهِ، قُدِّمَ الإجماعُ.

فإذا عَرَفْت هذِه الجُمْلَةَ، تَبَيَّنَ لك سُهُولَةُ أمْرِ المخالفة في الفروعِ، وأنَّ المُخَالِف لو خالف الإجماعُيْنِ -إجماعَ الأمَّةِ والعِتْرَةِ- على (٣) هذه الصِّفَةِ، لم يستَحِقَّ الِإنكار والتَّأثيم، سواءٌ قال: إنَّهما إذا كانا ظَنِّيَّيْن، فلا حُجَّةَ فيهما، أو قال: بأنَّهما حُجَّةٌ، ولكن حَصَلَ ما هو أرْجَحُ مِنْهمَا، فكيفَ بِمنْ لم يُخَالِفْ إجماعاً البتَّة؟

وبعدُ، فالخلاف لأهلِ البيتِ عليهم السَّلامُ في هذه المسألة يَسِيرٌ


(١) في (ب): إن.
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) في (ش): مع.

<<  <  ج: ص:  >  >>