للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديثِ: وأمَّا رابعاً، فالعَمَلُ علَى خَبَرِه، فإنَّه يكون تعديلاً إذا كان لا مُحْتَمَلَ لهُ إلا العَمَل عليه، فإنِ احتملَ غيره لم يكن تعديلاً. انتهى كلامُه عليه السلامُ.

وهو مثل الذي ذكرتُه، فلِله الحَمْد، ولهذا لم يَقُلْ (١) أَحَد مِنْ أهل النقل: إن كُتُبَ المسانِيدِ صحيحة عِنْد مصنِّفيها، مثل مَسانيد الشافِعِيِّ، وأبي حنيفةَ، وأحْمَدَ بنِ حَنْبَل وغيرهم، لمَّا كانت عبارتُهم (٢) لا تقتضي دعْوى الصِّحة عِنْدَهم، ولكن أَخْبَرُوا بما سَمعُوا، وَبَلَغَهُم عَنْ ثِقَةٍ وغيره، ولهذا أَعْرَضَ أربابُ الصِّحاح، ونُقَّادُ الحَدِيثِ عَنْ بلاغات " الموطَّأ "، ولم يقولوا بصحَّتِها على جلالَةِ مَالكٍ عندهم، وإجماعهم على أمانَتِهِ وتقدُّمِه في الحِفْظِ والاحتياط في الحديثِ والرِّجالِ، فإنهُمْ لا يختلفون أنه رأسُ أئمةِ الحديثِ، وأوثقُ نَقَلَةِ (٣) الأخْبَارِ وحملَةِ الآثارِ، وَهُو الَّذي أَقَلَّ مِن الرواية، وأَطَابَ، وَبَلَغَ الغايَةَ القُصوى في تَحَري الصدْقِ والصوابِ، فلَمْ يقْبَلُوا بَلاَغَاتِه، ولا التفتوا إلى ما مَرَّضَهُ مِنْ رواياتِهِ.

خاتِمَةُ أقصى ما في البابِ أنْ يثبُتَ عِنْدَك (٤) أنَّ بلاغاتِ بَعْضِ الأئِمَّة حجةٌ مِنْ غَيْرِ أنْ ينُصَ ذلِكَ الإمامُ على ذلك، ولا يَدُلَّ عَلَيْهِ بظاهرٍ، ولا مفهومٍ، ولا يُبَيّنُ أنَّه حُجَّتُه، لكن هذا يكون مذهباً لَكَ، لا لذلكَ الإمامِ، ولا لِغيْرِهِ، ولو أَنَّ بعضَ المتأخِّرين خالفَ بعضَ الأئِمَّةِ في صحَّةِ حديث، لم يستحقَّ الإنكار، فكيف إذا (٥) خَالَفَ بعضَ أَهْلَ عَصْرِه؟


(١) في (ش): ينقل.
(٢) في (ش): عباراتهم.
(٣) في (ب): أئمة.
(٤) جملة " أن يثبت عندك " ساقطة من (ش).
(٥) في (أ) و (ج): إلا إذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>