للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَذْهَبٍ لَهُ مُخْتَلَفٍ فيه، فيكون العالِمُ الرَّاوي للحديث (١) غيرَ مُقَصِّرٍ؛ لأنَّه بنى روايَتَهُ على ما هو عندَهُ حَقٌّ وصوابٌ، بَلِ العَمَلُ بذلِكَ الحديثِ هُوَ الواجِبُ علَيْهِ بإجماعِ الأمَّةِ، فكيف يكون مُقَصِّراً أو مَلُوماً (٢) بأَدَاءِ ما أَوْجَبَه اللهُ عليه وكَلَّفَهُ بِهِ؟ وأمَّا غَيْرُهُ مِنَ المُجْتَهِدِينَ، فلا يجوزُ له تقليدُه في قَبُولِ الحَدِيث إذا كان قَبُوله ينْبَنِي على قاعِدَةٍ مُخْتلَفٍ في صحَّتِها حتى يتَّفِقَ مذهَبُهُما في تلك القَاعِدةِ.

فمثالُ (٣) ذلكَ: أنَّ العُلَمَاءَ مختلفونَ في قَبُولِ المَجَاهِيلِ كما قدَّمْنَا ذلِك (٤) وقد قال عبدُ الله بنُ زَيْدٍ: هو مَذْهَبُنَا، وتوقَّفَ فيه السيدُ أبو طالب عليه السَلام، وذهبت إليها الحنفِيَةُ بأَسْرِهَا (٥)، وليس القولُ بِهِ مِنَ القَبَائِح التي تنَزَّهَ عَنْهَا الهادي والقاسمُ عليهما السَّلامُ، فليس يمْنَعُ أن يَذْهَبَا إلى جوازه، فَيُرْسِلان بَعْضَ الأحاديثِ عَنْ مَجْهُولٍ، وهذا جائِزٌ لهما ولغَيْرِهِمَا لا مانِعَ مِنْهُ، لا عَقْلاً ولا سَمْعَاً، لكِنْ مَنْ كان لا يَقْبَل المجْهُولَ، كانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِع مِنْ قَبُولِ المُرْسَلِ إذا أَرْسَلَهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَذْهَبَه في هذِهِ المَسْأَلةِ، وكذلِكَ غيرُ هذِهِ المَسْأَلَةِ مِنْ مَسَائِلِ الخِلاَفِ في هذا البَابِ، مثلُ حديث المُدَلِّسِ، فإنه مقبولٌ عِنْدنَا، لا أَعْلَم فيه خِلافاً عندَ أَصْحَابِنَا، وفيه خلاف (٦)، فَلَوْ ذهبَ ذَاهِبٌ إلى أنهُ غَيْرُ مقبولٍ، كانَ لَهُ أنْ


(١) في (ج): المحدث.
(٢) في (ش): وملوماً.
(٣) في (ج): ومثال.
(٤) انظر ١/ ٣٧٢ وما بعدها.
(٥) فيه نظر، بينته في التعليق في ١/ ٣١٩، فارجع إليه.
(٦) الذي رجحه علماء الحديث أن الموصوف بالتدليس إذا صرح بالسماع ممن روى عنه يقبل حديثه، وما رواه بلفظ محتمل لم يصرح فيه بالسماع لا يقبل. انظر التفصيل في " تنقيح الأنظار " للمؤلف وشرحه للصنعاني ١/ ٣٤٦ - ٣٧٦، وفي بيان المدلسين وطبقاتهم تواليف، =

<<  <  ج: ص:  >  >>