للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُطْلق في الحقيقة اللُّغَوِيَّةِ، والحقيقةِ العُرْفِيَّةِ، فوجبَ المصيرُ إلى ذَلِكَ، وارتفع الإِشكالُ.

وقال النَّواوي: إنَّ أبا داوود لم يَسْتَوْعِبِ الصَّحيح مِنْ أحاديثِ الأحكامِ ولا مُعْظَمَهُ، وذلك ظاهر، بل معرفتُه ضَرُورِيَّةٌ لِمن لَهُ أدنى اطِّلاعٍ. انتهى.

فانظر إلى النَّواوي كيف ادَّعى العلم الضَّرُورِيً لِمنْ لَهُ أدنى اطِّلاعٍ، على أنَّ السُّنَنَ غيرُ جامِعَةٍ لأحاديثِ الأحكام الصَّحيحَةِ ولا لمُعْظَمِها أيضاًً، وقد ذكرَ أهلُ الحديث أنَّهم إذا قالوا: هذا حديثٌ ضعيفٌ، فمرادُهُم: إسنادُه ضعيفٌ، لجوازِ أن يكونَ هذا الحديثُ في نَفْسِهِ صحيحاًً بغيرِ ذلِكَ الإسنادِ، لكِنْ لَمْ يَعْرِفُوا الإسنادَ الصَّحيحَ، وهذا أَوْضَحُ دليل على عَدَمِ دَعْواهُم لحَصْر الصَّحيحِ، ثمَّ إنَّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَوْسَعُ مِنْ أنْ يَحْصُرَهُ عالِمٌ بحيث يقطع على أنَّه لم يبْقَ حديثٌ إلاَّ وقد عَلِمَهُ، وقد قدَّمنا عَنْ أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام أنَّه كان يَسْتَحْلِفُ بَعْضَ الرُّواةِ، فإذا حلَفَ لَهُ صدَّقه (١)، فهذا دليلٌ عَلَى أنَّه -عليه السلام- لَمْ يَعْتقِدْ أنَّه قدْ أحاطَ بالحديث، فهذا، وهو عند طوائفِ الشِّيعَةِ وكثيرٍ مِنَ المعتزلَةِ، أوْ أكثرهم أَعْلَمُ الأمَّةِ بدليلِ أنَّه أقضاهم بالنَّصِّ، فكيفَ بغَيْرِه؟!.

وقد رُوي عن الشَّافعِي أنَّه قال: عِلْمانِ لا يَجْمَعُهُما أَحَدٌ، ولا يُحِيطُ بِهِما أَحَدٌ (٢): عِلْمُ الحديثِ، وعِلْمُ اللُّغَة.

وفي هذا القدرِ كفايَةٌ في التَّعريف ببراءَةِ أهْلِ الحديث مِمَّا رَماهُمْ بهِ


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢٨٤.
(٢) جملة " ولا يحيط بهما أحد " ساقطة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>