للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَنِي مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لَا، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ. قَالَ: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.»

(٠٠٠) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. (ح) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ , قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ. (ح) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ , قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ يَعُودُنِي، فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا».


= بنصفه (الثلث) بالرفع على تقدير فعل أو خبر، أي يكفيك الثلث، أو الثلث كاف، وبالنصب على الإغراء أو على تقدير فعل آخر، أي أعط الثلث (والثلث كثير) فهو أقصى ما تجوز به الوصية، ومعنى كونه كثيرًا أن النزول من الثلث إلى أقل منه أولى وأحسن (أن تذر) أي تترك وكلمة "أن" إما بفتح الهمزة على أنها ناصبة، والفعل منصوب، وإما بكسرها على أنها شرطية والفعل مجزوم، والجزاء قوله: "خير" على تقدير فهو خير (ورثتك) وهم البنت المذكورة وغيرها، وقد كان له من العصبة إذ ذاك أولاد أخيه عتبة بن أبي وقاص، منهم نافع ومنهم هاشم بن عتبة الصحابي الذي قتل بصفين مع علي (عالة) أي فقراء، جمع عائل وهو الفقير (يتكففون الناس) أي يسألونهم باسطين إليهم أكفهم كما يسأل الفقراء (حتى اللقمة) بالجر على أن حتى جارة، وبالرفع على أنها ابتدائية، والخبر "تجعلها" وبالنصب عطفًا على "نفقة" (في في امرأتك) أي في فمها، وفيه أن الإنسان يثاب على إنفاقه على عائلته إذا أراد به وجه الله، ولو كان فيه حظوظ نفسه المباحة، ووجه تعلق قوله: "وإنك لن تنفق نفقة ... إلخ" بقصة الوصية أن سؤال سعد يشعر بأنه رغب في تكثير الأجر، فلما منعه الشارع من الزيادة على الثلث قال له على سبيل التسلية: إن جميع ما تفعله في مالك من صدقة ناجزة، ومن نفقة، ولو كانت واجبة تؤجر بها إذ ابتغيت بذلك وجه الله تعالى. قاله ابن حجر (أخلف بعد أصحابي) الفعل مبني للمفعول من التفعيل، أي هل أبقى بمكة لأجل مرضي، ويرجع أصحابي إلى المدينة؟ قال ذلك خوفًا على ضياع أجر هجرته، ويمكن أن يكون قد فهم سعد من فحوى كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يحيى حياة طويلة، أو ورد ذلك الخيال في قلبه، فسأله عن ذلك، فيكون المعنى هل يموت أصحابي وأبقى أنا حيًّا بعدهم؟ فأجابه - صلى الله عليه وسلم - ببيان تكثير الأجر مع طول الحياة، ثم رجا له أن يبقى حيًّا حتى ينتفع به أقوام ويضر به آخرون، وقد كان كذلك، فقد بقي حتى فتح الله على يديه العراق فانتفع به المسلمون وعامة رعية الفرس، إما بدخولهم في الإسلام أو بتحررهم عن نير الاستبداد، وتضرر به طواغيت الفرس من الأكاسرة والمرازبة والدهاقين وغيرهم من أصحاب السلطة الصغيرة والكبيرة إلا من رحم الله (اللهم! أمض لأصحابي هجرتهم) أي أتممها ولا تبطلها، وذلك بأن يموتوا في دار هجرتهم (ولا تردهم على أعقابهم) جمع عقب، وهو مؤخر الرجل، ومعنى ردهم كذلك موتهم بمكة التي =

<<  <  ج: ص:  >  >>