الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وألقى إليه معانيه، ليبيّن للناس ما نزل إليهم، ويفسّره تفسيرًا، وأرسله إلى الناس كافّة ليعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، ويبشّرهم بظهور دينه تبشيرًا، ففتح به أعينًا عميًّا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، وطهَّر به النفوس تطهيرًا، اللهم فصلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين حملوا لواء الكتاب والسنّة وسعوا لنشر علومهما سعيًّا مشكورًا، وعلى من تبعهم بإحسان ما يجزى به عباده الصالحين، وفجّر لهم ينابيع الرحمة والرضوان تفجيرًا.
أمّا بعد فإن كتاب صحيح مسلم لصاحبه الإمام الهمام، أحد أفذاذ الأنام أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (٢٠٤ - ٢٦١ هـ) هو "ثاني اثنين" من بين كتب السنّة، في الصحّة وعلوّ المرتبة، وله من الدّرجة السّابقة المرموقة ما يعرفه الجميع، ولا يحتاج إلى بيان.
وإن ممّا شرف الله به مكتبة دار السلام بالرياض أنه وفقها للقيام بخدمة الكتاب والسنّة وما إليهما من المعاني والعلوم، خدمة متواضعة، تتمثّل في شرح المتون والترجمة والتحقيق، والاختصار والتلخيص، والنشر والتوزيع، وغير ذلك.
وها نحن اليوم نقدّم الكتاب "بُغية المسلم في شرح صحيح مسلم" شرحًا متوسطًا في أربعة أجزاء وهذا أولها بين أيدي قرائنا الكرام، حيث قام بهذه الخدمة الجليلة فضيلة الشيخ/ صفي الرَّحمن المباركفوري - حفظه الله - أمير جماعة أهل الحديث في الهند، ولا يخفى على الإخوة الكرام مكانته العلمية وأعماله القيمة في مجال الدعوة إلى الله وتدريس العلوم الشرعية وتأليف الكتب القيمة أشهرها "الرحيق المختوم" في سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
وممّا قامت به دار السلام في إخراج هذا المشروع أنّها جمعت أولًا عددًا من النسخ المطبوعة حتى يتم اختيار أفضل النسخ وأوثقها.
وقد تبيّن بعد الفحص والدراسة أنّ ثلاث نسخ منها هي أشمل وأدقّ من غيرها، وهي:
١ - النسخة الهندية المطبوعة في أصح المطابع، بدهلي/ الهند، سنة ١٣٤٩ هـ - ١٩٣٠ م، والتي طبعت مصوّرة مرّة أخرى في أصح المطابع بكراتشي/ باكستان سنة ١٣٧٥ هـ - ١٩٥٦ م،