٢٥ - قوله: (اليمانيين) هما الركن اليماني والركن الأسود، سمّيا باليمانيين تغليبا، واليماني نسبة إلى اليمن، وهو بتخفيف الياء، لأن الألف عوض عن ياء النسبة فلو شددت لكان جمعًا بين العوض والمعوض عنه، وجوز سيبويه تشديد الياء على أن الألف زائدة. والركنان الآخران أحدهما عراقي والآخر شامي، ويقال لهما الشاميان تغليبًا، وإنما اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - على استلام اليمانيين لأنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين، وكان في الصحابة اختلاف في استلام الشاميين، ويدل هذا الحديث أن معظمهم كانوا يستلمونهما. ثم انقرض هذا الاختلاف من بعدهم، واتفقوا على أنهما لا يستلمان النعال السبتية) بكسر السين وإسكان الباء، وقد ورد تفسيرها في كلام ابن عمر بأنها التي ليس فيها شعر، يقال إنها مشتقة من السبت بفتح السين، وهو الحلق والإزالة. وقيل: نسبة إلى السبت بكسر السين، وهو الجلد المدبوغ بنوع من الدباغ يقلع الشعر ويزيله ولا يبقيه، وكانت عادة عامة العرب لباس النعال بشعرها، ولم يكن يلبس بغير الشعر إلا قليل منهم (تصبغ بالصفرة) أي تخضب بها شعرك ولحيتك (إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة، يعني كانوا يهلون من بداية شهر ذي الحجة (يوم التروية) اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم الخروج من مكة إلى منى، سمي بالتروية - ومعناها الإرواء، وهو السقي - لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء، أي يحملونه معهم من مكة إلى مشاعر الحج: من منى وعرفات ومزدلفة، إذ لم يكن بها ماء. قوله: (ويتوضا فيها) معناه يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان (فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها) يفسره ما رواه أبو داود عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك [كتاب الترجل، باب في خضاب الصفرة] (حتى تنبعث به راحلته) انبعاثها قيامها، أي استواؤها قائمة. ويشبه أن يكون المراد به هنا قيام الناقة يوم التروية للتوجه إلى منى، فيكون المعنى أنه - صلى الله عليه وسلم - وإن كان محرمًا بالحج من ذي الحليفة، لكنه إنما اهتم بالإهلال بعد الفراغ من العمرة، يوم التروية، حين ركب الناقة ليتوجه إلى منى، ويستنبط منه استحباب تأخير الاحرام إلى يوم التروية لمن هو حلال بمكة. لكن إيراد مسلم هذا الحديث بين أحاديث إحرامه - صلى الله عليه وسلم - من ذي الحليفة بعد الاستواء على الناقة يدل على أن هذا هو المراد من هذا الحديث، وإذن يكون جواب ابن عمر رضي الله عنهما بنوع من الاستنباط، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - بقي مقيمًا في موضع إحرامه بذي الحليفة يومًا وليلة تقريبًا، ولم يحرم، فلما أراد الرحيل إلى مكة، واستوت به الناقة أحرم. فكذلك الحاج إذا حل بمكة من العمرة يبقى في موضع إحرامه يعني بمكة حلالا، ولا يحرم إلا بعد ركوبه الناقة للخروج إلى منى.