للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ، مَا أَظْرَفَهُ، مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ، وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا.»

(٠٠٠) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، (ح) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ جَمِيعًا، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ

(١٤٤) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ -: يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ -، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ، فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ. قَالَ: تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: أَنَا، قَالَ: أَنْتَ؟ لِلهِ أَبُوكَ، قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ.


= والصلابة، وكثيرًا ما يستعمل للقوة المعنوية من التعقل والفهم. (وما أظرفه! ) من الظرف والظرافة، وهي الكياسة ودقة الفهم. وقول حذيفة: (ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت) معنى المبايعة هنا: البيع والشراء المعروفان. وقوله: (وما أبالي) أي لوجود الأمانة وعمومها، فإن كان مسلمًا فدينه وأمانته تمنعه من الخيانة، وإن كان كافرًا فساعيه - وهو الوالي العام أو الذي يتولى قبض الجزية - يقوم بالأمانة ويستخرج حقي منه، أما اليوم فقد ارتفعت الأمانة، فلا أبايع إلا فلانًا وفلانًا أي رجالًا معدودة أعرفهم وأثق بهم.
٢٣١ - قوله: (فتنة الرجل في أهله وجاره) هي ما يقع بينه وبينهم من الخلاف والشقاق، ويفضي إلى بعض الشجار وسوء التفاهم والتكلم. ويعد من فتنة الرجل في أهله أيضًا ما يقع منه من التقصير والتفريط في سبل الخير حبًّا في الأهل والأولاد واشتغالًا بهم. قوله: (التي تموج موج البحر) لشدتها، وعظمتها، وكثرة شيوعها، وسعة جوانبها، قوله: (فأسكت القوم) بمعنى سكتوا. قوله: (لله أبوك) كلمة مدح للولد إذا وجد منه ما يحمد، أي لله أبوك حيث أتى بمثلك. قوله: (كالحصير عودًا عودًا) أي كما أن الحصير ينسج عودًا بعد عود وشظية بعد أخرى، كذلك الفتن تعرض على القلوب فتنة بعد فتنة، قوله: (فأي قلب أشربها) أي دخلت فيه الفتن دخولًا محكمًا، لا انفكاك له منها كما في قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٩٣] (حتى تصير على قلبين) أي. تصير قلوب الناس على نوعين. قوله: (مثل الصفا) صفة أخرى للقلب بعد وصفه بالبياض، والصفا: حجر أملس لا يعلق به شيء، فالمعنى: أن هذا النوع من القلب لا يعلق به شيء من الفتن. قوله: (أسود مربادًّا) بتشديد الدال أي مختلطًا=

<<  <  ج: ص:  >  >>