للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْمُبَايَعَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ وَبَيَانِ مَعْنَى لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ

(١٨٦٣) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، حَدَّثَنِي مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ: إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لِأَهْلِهَا، وَلَكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ.»

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ

مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: «جِئْتُ بِأَخِي أَبِي مَعْبَدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. قَالَ: قَدْ مَضَتِ الْهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا. قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ.» قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ مُجَاشِعٍ، فَقَالَ: صَدَقَ.

(٠٠٠) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَاصِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: «فَلَقِيتُ أَخَاهُ فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا مَعْبَدٍ.»

(١٣٥٣) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ: لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا.»


= خرج إلى الربذة، فسكن بها واعتزل الفتنة، وتزوج هناك امرأة ولدت له أولادًا، فلم يزل بها حتى نزل المدينة قبل أن يموت بليال، وكأنه دخل على الحجاج أثناء ذلك فجرى هذا الحوار (أذن لي في البدو) إما إذنا خاصًّا وإما إذنًا عامًّا له ولقبيلته، وإما المراد به ترغيبه - صلى الله عليه وسلم - في البدو في الفتنة، وأنه خير من المقام في الفتنة. وقد ورد بكل من ذلك أحاديث.
٨٣ - قوله: (إن الهجرة قد مضت لأهلها) أي إن الهجرة التي كانت واجبة، وكان لها فضل كبير، قد انتهت بفتح مكة، لأن الناس آمنوا بعد فتح مكة ودخلوا في دين الله أفواجًا، فأمكن لهم العمل بالإسلام في بلادهم وأماكنهم بدون خوف ولا فتنة، فلم يبق السبب الذي كان المسلمون يهاجرون لأجله، وقد سكن المدينة بعد الفتح عدد من أهل مكة، ولكنهم لم يعدوا من المهاجرين لأجل هذا، مثل العباس وأولاده وأبي سفيان وأولاده وغيرهم، أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فهي ماضية إلى يوم القيامة عند الحاجة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو، رواه النسائي وصحجه ابن حبان عن عبد الله بن السعدي، ولكن هذه الهجرة لا تكون مثل الهجرة من مكة إلى المدينة، فإن هذه كانت لتكوين المجتمع الإسلامي هايجاده، ولتمكين الإسلام من الأرض، وتلك تكون إلى مجتمع إسلامي مكون وموجود، وإلى إسلام متمكن من الأرض، لأن الإسلام لا يزال عزيزًا في منطقة من المناطق بعد فتح مكة إلى يوم القيامة. قال العلماء: والهجرة من دار الكفر على ثلاثة أنواع، رجل لا يمكن له إظهار دينه ولا أداء واجباته، وهو قادر على الهجرة فهي واجبة عليه، ورجل يمكن له إظهار دينه وأداء واجباته، وهو قادر على الهجرة فهي مستحبة له، ورجل عاجز بعذر أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة، فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر.
٨٥ - قوله: (ولكن جهاد ونية) أي انقطعت الهجرة من مكة إلى المدينة، ولكن بقي الجهاد ونية الجهاد، أو نية الخير في أي مفارقة للوطن، مثل الخروج لطلب العلم ونشر الإسلام ودعوة الحق والفرار بالدين من الفتن وأمثال ذلك، ففيهما الأجر والفضل المزيد (وإذا استنفرتم فانفروا) أي إذا طلب منكم الأمير الخروج إلى الجهاد فاخرجوا، وفيه دليل على أن الخروج إلى جهاد الكفار يجب إذا طلب الإمام، وليس معناه أنه إذا لم يطلب لا يجب، بل فيه تفاصيل عند الفقهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>