٢٥ - قوله: (أنا فرطكم على الحوض) أحاديث الحوض متواترة معنى، رواها عدد كبير من الصحابة، وكذلك التابعون، ولا ينكرها أو يؤولها إلا جاهل أو مبتدع. قال الحافظ في الفتح: بلغني أن بعض المتأخرين وصلها إلى رواية ثمانين صحابيًّا. اهـ ٢٦ - قوله: (لم يظمأ) من الظمأ من باب سمع، وهو العطش (أبدا) استدل به بعضهم بان الشرب من الحوض يكون بعد الحساب والنجاة من النار، لأن هذا هو الذي لا يظمأ أبدًا، وبنى على ذلك أن الحوض يكون عند الجنة بعد الصراط، قلت: هذا محتمل، وليس بلازم. والأحاديث بعضها يفيد بسياقه كونه قبل الصراط، وبعضها يفيد بسياقه كونه بعد الصراط (أعرفهم) أي بعلاماتهم أنهم من أمتي، لكونهم غرًّا محجلين من آثار الوضوء. ويمكن أن يعرف بعضهم بأعيانهم (سحقا سحقًا) بالضم فالسكون، أي بُعدًا لهم وبُعدًا، وهو منصوب على المصدرية، أو بتقدير فعل، أي ألزمهم الله ذلك، ونحوه، ثم إن العلماء اختلفوا في هؤلاء الذين يبعدون عن الحوض، فقيل: هم الذين ارتدوا فكفروا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقتلوا أو ماتوا على كفرهم وردتهم، وقيل: هم المنافقون، وقيل: هم العصاة من الفساق والفجار. وقيل: هم المبتدعون. والأقرب هو هذا القول الأخير، لأن الأحاديث نصت على أنهم هم الذين أحدثوا وغيروا بعده - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يقال هذا للمبتدعين لا للمنافقين ولا للعصاة، ولا للذين اختاروا الكفر بعد الإيمان، وارتدوا عن دين الإسلام، وأما ما ورد من أنهم لم يزالوا مرتدين، فالمراد به الارتداد عن الاستقامة لا الارتداد عن الدين. يدل لذلك مجموع ألفاظ الحديث الواردة في هذا الباب. وليس من المستبعد أن يكون المراد هذه الأصناف كلها. والله أعلم.