٣٣ - قوله: (فرماني القوم بأبصارهم) أي نظروا إليَّ بشدة على سبيل الإنكار والاستنكار (واثكل أمياه! ) "وا" كلمة تختص في النداء بالندبة، والثكل بضم فسكون، وبفتحتين: فقدان المرأة ولدها، و "أمياه" بكسر الميم، ومضافة إلى ياء المتكلم، وألحق بآخره ألف الندبة، ليمد به الصوت إظهارًا لشدة الحزن، وتردف هذه الألف هاء السكت، نحو واأمير المؤمنيناه! - يستعمله العرب عند التعجب من أمر واستبعاده والمعنى: "وافقد أمي إياي! فإني هلكت" (فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخادهم) ليسكتوه، وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة، وأنه لا تبطل الصلاة به، ولا كراهة فيه إذا كان لحاجة (لكني سكت) استدراك لمحذوف، والتقدير: لما رأيتهم يصمتونني غضبت وتغيرت، ولكني سكت (ما كهرني) أي ما انتهرني وزجرني، أو ما استقبلني بوجه عبوس (الكهان) جمع كاهن، وهو من يتعاطى الإخبار عن الكوائن في المستقبل، ويدعي معرفة الأسرار، قال الخطابي: كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرًا من الأمور، فمنهم من يزعم أن له رئيًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي إدراك ذلك بفهم أعطيه، ومنهم من يسمى عرافًا، وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات وأسباب استدل بها، كمعرفة من سرق الشيء الفلاني، ومعرفة من تتهم به المرأة ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهنًا، قال: والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم فيما يدعونه اهـ. وإنما نهى عن إتيان الكهنة لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان، وهو حرام بإجماع المسلمين، قاله النووي. (يتطيرون) من الطيرة - بكسر ففتح - وهي التشاؤم بالشيء، وأصله: أنهم كانوا يأتون الطير أو الظبي فينفرونه، فإن أخذ ذات اليمين مضوا إلى ما قصدوا، وعدوه حسنًا، وإن أخذ ذات الشمال انتهوا عن ذلك وتشاءموا، وكانوا يتشاءمون كذلك إن عرض الطير أو الحيوان في طريقهم، فإن مر عن يمينهم إلى الشمال تشاءموا، وإن مر من الشمال إلى اليمين مضوا (يجدونه في صدورهم) لأنهم ورثوه عن آبائهم، فإذا حدث شيء مما يتطير به، يختلج ذلك في حدورهم ويجدونه ويشعرون به ضرورة من غير خيار، فهو =