للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا المسند (١).

قلت: وقد ذكروا أن كتاب صحيح مسلم عرض على أبي زرعة فأنكر عليه بشدة إخراجه لأحاديث أمثال أسباط بن نصر، وقطن بن نسير، وأحمد بن عيسى (٢). ولا تزال أحاديثهم موجودة فيه. فلا أدري كيف التوفيق؟ هل زاد الإمام مسلم هذه الأحاديث بعد عرض الكتاب على أبي زرعة، أو أنه لَمْ يناقشه في جميع أحاديث الكتاب.

وقد تبين بما سبق أن الإمام مسلمًا كان يسمي صحيحه بالمسند، وبالمسند الصحيح.

[بين صحيح البخاري وصحيح مسلم]

كاد الأئمة والعلماء يتفقون على أنَّ صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم. إلَّا أن جماعة من المغاربة وأبا علي النيسابوري من المشارقة خالفوا ذلك. قال أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم (٣). وقد قال عامة أهل العلم - بناء على قوله هذا -: إنه هو، وكذا المغاربة، يفضلون صحيح مسلم على صحيح البخاري، وقد ناقشهم الحافظ ابن حجر في كتابه "نزهة النظر شرح نخبة الفكر" في هذه المسألة فقال: "وقد صرح الجمهور بتقديم صحيح البخاري في الصحة، ولم يوجد عن أحد التصريح بنقيضه، وأما ما نقل عن أبي علي الفارسي أنه قال: "ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم" فلم يصرح بكونه أصح من صحيح البخاري؛ لأنه إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم، إذ المنفي إنما هو ما يقتضيه صيغة أفعل من زيادة صحة في كتاب شارك كتاب مسلم في الصحة، يمتاز بتلك الزيادة عليه. ولم ينف المساواة.

وكذلك ما نقل عن بعض المغاربة أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري، فذلك فيما يرجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب، ولم يفصح أحد منهم بأن ذلك راجع إلى الأصحية، ولو أفصحوا لرده عليهم شاهد الوجود.

فالصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم وأشد وشرطه فيها أقوى وأسد. أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرّة، واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة، وألزم البخاري بأنه يحتاج إلى أن لا يقبل العنعنة أصلًا، وما ألزمه به ليس بلازم، لأنَّ الراوي إذا ثبت له


(١) سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٥٦٨.
(٢) سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٥٧١.
(٣) سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٥٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>