٥٠ - قوله: (حمارًا وحشيًّا) كذا رواه مالك عن الزهري، واتفق الرواة عن مالك على نقل هذا اللفظ، وتابع مالكًا تسعة من حفاظ أصحاب الزهري على رواية هذا اللفظ، وهم معمر وابن جريج وعبد الرحمن بن الحارث وصالح بن كيسان والليث وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة ويونس ومحمد بن عمرو بن علقمة. فكلهم قالوا: حمارًا وحشيًّا، كما قال مالك. وسيأتي من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري ومن رواية آخرين أنه أهدى له لحم أو رجل أو عجز أو شق أو عضو حمار وحش، واختلف المحققون في الجمع بين هذه الروايات، فمنهم من سلك مسلك الترجيح، فرجح رواية مالك وموافقيه، لأنهم أجل وأقوى وأثبت. وقال: إنه أهدى حمارًا وحشيًّا كاملًا، بلى قال بعضهم: إنه كان حيًّا، وعكس هذا بعض آخرون، فذهبوا إلى ترجيح رواية اللحم والعضو، لأن راويها أكثر ضبطًا للواقعة حتى ضبط أنه كان يقطر دمًا، ولأنه لا ينافي رواية مالك، فقد يطلق اسم الحيوان على جزء منه، ولأن سائر الروايات متفقة على أن الهدية كانت بعضًا من أبعاض الحمار. وذهبت طائفة ثالثة إلى الجمع بين الروايتين بحمل رواية "أهدى حمارًا" على التجوز من إطلاق اسم الكل على البعض. وقد تقدم في القول السابق. واختار آخرون صورًا بعيدة للجمع لا تطابق طبائع الإنسان فلا حاجة إلى ذكرها (بالأبواء) بفتح فسكون ومد، موضع في طريق مكة إلى المدينة، على بعد ثلاثة وعشرين ميلًا من الجحفة إلى جهة المدينة، وبه توفيت أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبه قبرها (أو بودان) بفتح الواو وتشديد الدال، موضع على بعد ثمانية أميال من الجحفة إلى المدينة (فلما أن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما في وجهي) من التغير والتشوش والكراهة والإشفاق (إلا أنا حرم) بضم الحاء والراء جمع حرام، وهو من أحرم بنسك، أي محرمون. والحديث بظاهره يفيد أنه إنما رد هدية الصيد لكونه محرمًا لا لأمر آخر، ولذلك استدل به من حرَّم أكل لحم الصيد على المحرم مطلقًا، لكن يعارضه ما سيجيء من أخذه - صلى الله عليه وسلم - من صيد أبي قتادة وأكله منه مع كونه - صلى الله عليه وسلم - محرمًا. ولذلك زاد المحققون علة أخرى في رد الهدية، وهي أن الصعب بن جثامة كان قد صاد الحمار لأجل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا صيد الحيوان للمحرم فلا يجوز له الأكل منه. نص عليه في حديث جابر: صيد البر لكم حلال، وأنتم حرم، ما لم تصيدوه أو يصد لكم. رواه أبو داود والترمذي والنسائي مرفوعًا.