للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَؤُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا، وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيُهَلِّلُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيَسْأَلُونَكَ قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لَا أَيْ رَبِّ قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ.»

بَابُ فَضْلِ الدُّعَاءِ بِاللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

(٢٦٩٠) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: «سَأَلَ قَتَادَةُ

أَنَسًا: أَيُّ دَعْوَةٍ كَانَ يَدْعُو بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ؟ قَالَ:


= (ح ٦٤٠٨) "يطوفون في الطرق" وهو يفسر المراد بالسيارة (فضلًا) بضمتين، وبضم فسكون، وقيل: بفتح فسكون، جمع فاضل، أي زائدين على الحفظة وغيرهم من الملائكة المرتبين مع الخلائق، لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر (يبتغون) بالغين المعجمة من الابتغاء، وهو الطلب والالتماس (يتتبعون) وبالعين المهملة من التتبع، (مجالس الذكر) قال الحافظ: المراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل الباقيات الصالحات، وهي "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضًا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه، كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالًا، فإن وقع في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالًا، فإن صحح التوجه، وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال. قال: وقال الفخر الرازي: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد، والذكر بالقلب التفكر بالقلب في أدلة الذات والصفات، وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله، والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات، ومن ثم سمى الله الصلاة ذكرًا، فقال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] انتهى. وقد أحدث قوم من الصوفية ذكرًا مفردًا، ورأوه أفضل الذكر وأكمله، وهو أن يقول العبد بلسانه "الله، الله" ويجريه على قلبه، ثم يخرجه من حلقه وأنفه مع نفسه، ويتمرن على ذلك حتى يخوج لفظ الله الله مع نفسه، ولسانه ساكت، وهذا ذكر محدث وطريق محدث، ولم يرد في الكتاب والسنة ما يفيد هذا الذكر المفرد، ولا ما يفيد هذا الطريق، وإنما أخذوه من مشركي اليونان والهند، واختاروه لسلاسلهم وطرقهم الصوفية، فنعوذ بالله من اتباع الهوى والضلال (وحف) أي أحاط وأحدق ودنا (يسبحونك ويكبرونك ... إلخ) وفي حديث أنس عند البزار: ويعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، قاله الحافظ، وهذا يدل على نوع الذكر المذكور في هذا الحديث والمطلوب في الشرع، فلا يصرفن أحد هذا الحديث، إلى ما أحدثه الصوفية من الذكر المفرد (ويستجيرونك) أي يطلبون منك الأمان (عبد خطاء) بتشديد الطاء، أي كثير الذنوب والخطايا.
٢٦ - إنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من هذا الدعاء لأنه جامع بين خيري الدنيا والآخرة كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>