للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ

(٢٦٥٢) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ حَاتِمٍ) وَابْنِ دِينَارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا، وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَابْنِ عَبْدَةَ قَالَ: أَحَدُهُمَا خَطَّ، وَقَالَ الْآخَرُ: كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ.

(٠٠٠) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ

عَلَيْهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ.؟ »


١٣ - قوله: (احتج آدم وموسى) أي تحاجا وتناظرا، وفي مسند الإمام أحمد: "عند ربهما" وهو يفيد أن هذه المحاجة وقعت في عالم البرزخ بعد وفاة موسى عند ما اجتمع بآدم عند الله. قيل: ويحتمل أن يكون في الدنيا، والعندية للاختصاص والتشريف. وقد روى أبو داود كيفية الاجتماع من حديث عمر، ففيه: قال موسى: يا رب! أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم، فقال: أنت أبونا ... الحديث (خيبتنا) من التفعيل، أي أوقعتنا في الخيبة والخسران، أي صرت سببًا لخيبة من خاب من البشر، وهو سبب بعيد، إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة، ولو لم يقع الإخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الغي، والمرتب عليه الخيبة (وخط لك بيده) أي كتب لك ألواح التوراة التي أعطاك، وقد كتب له فيها من كل شيء موعظة وتفصيلًا لكل شيء، واليد محمولة على ظاهرها، فنؤمن بها من غير تكييف وتشبيه وتعطيل ولا تعرض لتأويلها، مع اعتقاد أن الجارحة غير مرادة (بأربعين سنة) سيأتي أن الله كتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والجمع بينهما أن المراد "بأربعين سنة" كتابة ذلك في التوراة قبل خلقه بأربعين سنة، لا كتابته مطلقًا أو في اللوح المحفوظ، ويؤيد هذا الجمع الحديث التالي رقم (١٥) ويؤيده أيضًا أن موسى لم يطلع على اللوح المحفوظ ولا على مقادير الخلائق، وإنما اطلع على ما في التوراة ووجده فيها (فحج آدم موسى) برفع آدم، أي غلبه بالحجة. وإنما التجأ آدم إلى الاحتجاج بالقدر لأن موسى لامه على المصيبة التي أصابت ذريته بالخروج من الجنة بسبب خطيئته، فاحتج عليه بالقدر لأن القدر يحتج به في المصائب والبلايا دون القبائح والمعاصي، فليس لأهل الفسق والفساد أن يتمسكوا بهذا الحديث للتمادي في فسقهم وغيهم، وإنما فيه المتمسك لأهل المصائب والبلايا أن يذكروا القدر، فتحصل لنفوسهم التسلية عما هم فيه من المصيبة.
١٤ - قوله: (أغويت الناس) أي كنت سببًا لغواية من غوى منهم، وذلك بأكلك من الشجرة، حسب ما تقدم، والغي ضد الرشد، وهو الانهماك في غير الطاعة، ويطلق أيضًا على مجرد الخطأ، يقال: غوى، أي أخطأ صواب ما أمر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>