للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ.

(٢٧٧٢) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ يَقُولُ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ. قَالَ زُهَيْرٌ: وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ خَفَضَ حَوْلَهُ. وَقَالَ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ

فَسَأَلَهُ، فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ، فَقَالَ: كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوهُ شِدَّةٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقِي: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} قَالَ: ثُمَّ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، قَالَ: فَلَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} وَقَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ.»

(٢٧٧٣) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، (وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ)، قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: «أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ قَبْرِهِ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ»


١ - قوله: (في سفر) هو سفر غزوة المريسيع، وقد تقدم أنَّها وقعت في شعبان سنة خمس في قول، وسنة ست في قول (أصاب الناس فيه شدة) من قلة الزاد والطعام مع ما وقع بين غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار من الخصام حتى ضرب المهاجري الأنصاري برجله على دبره (حتى ينفضوا) أي يتفرقوا (ليخرجن الأعز) أراد به ابن أُبي نفسه (الأذل) أراد به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والعياذ بالله (فلووا رءوسهم) من التلوية، أي حولوها إعراضًا واستكبارًا واحتقارًا لما قيل لهم {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: ٤] خشب بضمتين، جمع خشبة، ومعنى مسندة أنَّها أسندت إلى غيرها، شبه المنافقين في جلوسهم في مجالس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستندين بها بالخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط التي لا تفهم ولا تعلم، وهم كذلك لخلوهم عن الفهم النافع والعلم الذي ينتفع به صاحبه.
٢ - (ونفث عليه من ريقه) لإيصال البركة إليه (وألبسه قميصه) أيضًا لإيصال البركة، ولأن عبد الله بن أبي كان قد سأل النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قميصه في احتضاره، ولأن ابن أبي كان قد ألبس قميصه العباس عم النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين جاء أسيرًا في غزوة بدر، فأراد النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكافئه على ذلك، ثم صلى عليه النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الجِنازَة لأنه كان راغبًا في مغفرته، ولم يكن آيسًا منه، فأجراه على ظاهر حكم الإسلام، وقد كان فيه إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته، ومصلحة الاستيلاف لقومه، ودفع المفسدة، فلما تم له كلّ ذلك فضح الله ابن أُبي والمنافقين بما أنزل فيهم في سورة براءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>