وقد احتال طائفة منهم في دفع أحاديث الرفع الصحيحة المتواترة بأنها منسوخة، وهو قول أشتهر عند المتأخرين منهم، وقالوا: الناسخ لها ما رواه مسلم وغيره من حديث جابر بن سمرة مرفوعًا: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس! ؟ اسكنوا في الصلاة" وهذا قول في غاية البطلان، إذ هذا الحديث في رفع الأيدي والإيماء بها عند السلام كما في الرواية الثانية عند مسلم، ومخرجهما واحد، فحمله عليه واجب، ولو كان هذا الحديث ناسخًا لرفع اليدين قبل الركوع وبعده، لكان ناسخًا لرفع اليدين عند افتتاح الصلاة وفي القنوت وتكبيرات العيدين أيضًا؛ إذ النكير عام، ومن العجيب أن تفتتح الصلاة بعمل قبيح منكر، ويؤتى به في القنوت وصلاة العيدين! فعلم أن النكير على هيئة أخرى - لرفع الأيدي - غير هيئة رفع اليدين في افتتاح الصلاة وقبل الركوع وبعده. قال النووي: الاستدلال به على النهي عن الرفع عند الركوع وعند الرفع منه جهل قبيح. اهـ. ثم لو كان الرفع منسوخًا لم يكن ليواظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - طول حياته ثم الصحابة بعده، ومن العجيب! أن الحنفية استدلوا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب على رفع اليدين ما دام حيًّا - بالأحاديث التي فيها ذكر رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه - فكما تثبت بها مواظبته - صلى الله عليه وسلم - على رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح، كذلك تثبت بها مواظبته - صلى الله عليه وسلم - على رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه، والحاصل أن رفع اليدين قبل الركوع وبعده من السنن الصحيحة الثابتة المحكمة المتواترة، ولم يثبت في خلافه شيء، وقد تمسكوا ببعض الآثار الواهية الضعيفة والباطلة التي لا نحتاج إلى ذكرها والرد عليها، والله الموفق. ٢٨ - قوله: (ثم يقول: "سمع الله لمن حمده" حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: "ربنا لك الحمد") فيه دليل على أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، ورد على من زعم أن التسميع والتحميد يقسمان على=