وقد اضطربت أقوال هؤلاء - الحنفية - وآراءهم في دفع هذه السنة الصحيحة المتواترة، فمنهم من قال بعدم جواز رفع اليدين في غير التحريمة حتى قال بعضهم بفساد الصلاة برفع اليدين في غير التحريمة، وذهب بعضهم إلى جواز الرفع في غير التحريمة، لكن الأولى عنده ترك الرفع، وذهب بعضهم إلى تساوى الأمرين الرفع والترك، وذهب جماعة منهم إلى ترجيح الرفع على الترك، وهذا الاختلاف دليل على تخبطهم في دفع هذه السنة الصحيحة ومحاولة التفصي منها، وقد استدلوا على ترك رفع اليدين ببعض الأحاديث والآثار كلها واهية ضعيفة حتى إن بعضها موضوع. وأحسنها حديث عبد الله بن مسعود، وهو أيضًا ضعيف، ولفظه عن ابن مسعود قال: ألا أصلي بكلم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فصلى ولم يرفع يديه إلا في أول مرة، أخرجه الترمذي وأبو داود وغيره، قال الحافظ في التلخيص: هذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم، وقال ابن المبارك: لم يثبت عندي، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا خطأ. وقال أحمد بن حنبل وشيخه يحيى بن آدم: هو ضعيف، - نقله البخاري عنهما وتابعهما على ذلك - وقال أبو داود: ليس هو بصحيح. وقال الدارقطني: لم يثبت. وقال ابن حبان في الصلاة: هذا أحسن خبر روى لأهل الكوفة في نفي رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، وهو في الحقيقة أضعف شىء يعول عليه لأن له عللًا تبطله. انتهى. وقال البزار: لا يثبت ولا يحتج بمثله. وقال ابن عبد البر: هو من آثار معلولة ضعيفة عند أهل العلم. وقال النووي في الخلاصة: اتفقوا على تضعيف هذا الحديث. وقال البيهقي في السنن الكبرى: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود. أقول: فأين يقع تحسين الترمذي مع ما فيه من التساهل، وتصحيح ابن حزم، من طعن أولئك الأئمة الحفاظ النقاد القائمين بمعرفة فن المعلول؟ ولو سلمنا ثبوت هذا الحديث فإنه لا يدل على أزيد من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الرفع أحيانًا لبيان الجواز. واستدل الحنفية أيضًا بحديث البراء بن عازب مرفوعًا بلفظ: كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود، أخرجه أبو داود وغيره. وفيه أنه من رواية يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، كبر فتغير فصار يتلقن، واتفق الحفاظ على أن قوله: "ثم لا يعود" مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد هذا، وقد ضعفه البخاري وأحمد بن حنبل وأبو داود ويحيى والدارمي والحميدي، وقال الحميدي: إنما روى هذه الزيادة يزيد، ويزيد يزيد، وقال يحيى بن محمد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا حديث واهٍ، قد كان يزيد يحدث به برهة من دهره لا يقول=