للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي مُبَلِّغًا،

وَلَمْ يُرْسِلْنِي مُتَعَنِّتًا. قَالَ قَتَادَةُ: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}: مَالَتْ قُلُوبُكُمَا.

بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا نَفَقَةَ لَهَا

(١٤٨٠) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ».

(٠٠٠) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِي: ابْنَ أَبِي حَازِمٍ -،


٣٦ - قوله: (طلقها البتة) أي الطلاق الثالث والأخير الذي بت به النكاح، وقطع به علاقة الزوجية، وليس المراد أنه طلقها بلفظ البتة، كما سيأتي (وهو غائب) كان أنطلق إلى اليمن (فسخطته) أي لم ترض به لكونه أخسأ وأردأ مما كانت تستحقه حسب زعمها (ليس لك عليه نفقة) فيه نفي النفقة عمن طلقت الطلاق الثالث والأخير (فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك) وهذا دليل على إسقاط السكنى عن تلك المطلقة، إذ بيت أم شريك غير بيت زوجها، وقد تواردت الأحاديث الآتية على نفي النفقة والسكنى عنها، ويدل سياق معظمها على أن سبب ذلك إنما هو كونها قد طلقت الطلاق الثالث، وليس سبب آخر، وأصرح من ذلك ما رواه النسائي بإسناد صحيح لا مطعن فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة" وفي لفظ له وللدارقطني: "إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة" وإسنادهما صحيح (تلك امرأة يغشاها أصحابي) أي يزورونها ويكثرون التردد إليها (تضعين ثيابك) سيأتي أن المراد به وضع الخمار، وليس وضع عامة الثياب (فإذا حللت) من عدتك وقضيتيها (فآذنيني) من الإيذان، أي أعلميني وأخبريني، وفيه تعريض خفيف بالخطبة، قالوا: ويجوز ذلك إذا كانت بائنًا (فلا يضع عصاه عن عاتقه) أي عن منكبه، ويفسر معناه ما سيجيء في الحديث رقم ٤٧ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء" (وأما معاوية فصعلوك) بضم الصاد واللام بينهما عين ساكنة، أي فقير في غاية الفقر، وسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فقد صار معاوية هذا فيما بعد سادس خلفاء المسلمين، وكان ينثر عليهم المال نثرًا (واغتبطت) بالبناء للمفعول من باب الافتعال من الغبطة، وهي تمني مثل نعمة المغبوط من غير إرادة زوالها عنه، فهى ليس بحسد، والمعنى أن النساء تمنين أن يكون لهن حظ من أزواجهن مثل ما كان لي من أسامة. وهذا يدل على غاية حظوتها عنده. وفي الحديث عدا ما يدل على معنى الباب، جواز الخطبة على خطبة الغير إذا لم يحصل من المرأة وكون أو اتفاق، وجواز بيان ما في الإنسان من العيب أو سوء الخلق وسوء المعاملة، ولكن لا على سبيل الغيبة، بل لنصح من يريد معه معاملة. أما مسألة الباب فقد اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال. فقال الإمام أحمد وعامة أهل الحديث: إن المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة، وقال الإمام أبو حنيفة وآخرون: لها السكنى والنفقة، وقال الإمام مالك والشافعي: تحب لها السكنى، ولا نققة لها. وسيأتي الكلام على متمسكًا لهم في موضعه.
٣٧ - قوله: (كليهما) بالياء، منصوب بتقدير أعني (نفقة دون) بالإضافة، والدون: الرديء الحقير (لأعلمن) =

<<  <  ج: ص:  >  >>