١٩٩ - قوله: (تجدون الناس معادن) أي أصولًا مختلفة، والمعادن جمع معدن، وهو الشيء المستقر في الأرض، وهو تارة يكون نفيسًا وتارة يكون خسيسًا، فكذلك الناس (فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام) وجه تشبيه الناس بالمعدن في ذلك أن المعدن إذا استخرج من الأرض لا تتغير صفته، وإنما يظهر منها ما كان مختفيًا، فكذلك صفة الإنسان في الشرف وغيره لا تتغير بالإسلام، وإنما تنجلي وتظهر، فمن كان شريفًا في الجاهلية، وكان بالنسبة لأهلها رأسًا، فإن أسلم استمر شرفه، وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهليه، والمراد بالخيار والشرف أن يتصف الرجل بمحاسن الأخلاق كالكرم والجود والعفة والحلم وغيرها، وأن يتقي مساويها كالبخل والفجور والظلم وغيرها (إذا فقهوا) بضم القاف ويجوز كسرها، أي إذا فهموا أمور الإسلام، وفيه إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين، وأن هذا التفقه إذا اتصف به المشروف يصير شريفًا وإذا خلا عنه الشريف يصير مشروفًا. وهذا أمر مشاهد. ولنعم ما قال أبو الأسود الدؤلي: كم سيد بطل آباؤه نجب ... كانوا رؤوسًا فأضحى بعدهم ذنبا مقرف خامل الآباء ذي أدب ... نال المعالي بالآداب والرتبا ويروى المصراع الأخير: ... نال المعالي به والمال والحسبا وتجدون من خير الناس في هذا الأمر) أي في الولاية والإمارة (أكرههم له) لأنه يعرف صعوبة العمل بالعدل، وحمل الناس على رفع الظلم، وإسداء الخير إلى عامة الرعية، والسهر على مصالحهم، ثم ما يقع أمام الله من الحساب الشديد، فهو يكره الإمارة كراهة شديدة حتى يكون بمنجاة من هذه المحن (قبل أن يقع فيه) يعني الذي يكون أكره الناس للإمارة قبل الوقوع فيها يكون من خير الناس بعدما يقع فيها، لأنه يقوم بكل ما يجب عليه، على خوف من ربه تعالى (من شرار الناس ذا الوجهين) هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، ويظهر لها أنه منها في خير أو شر، وإنما جعل هذا الرجل من شر الناس لأن حاله حال المنافق، إذ هو متملق بالباطل والكذب، مدخل للفساد بين الناس.