للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى عَلَيْهِمْ قَالَ فَقَالَ: أَفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا؟ قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللهِ وَمِلْكُ يَدِهِ فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فَقَالَ لِي:

يَرْحَمُكَ اللهُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأَحْزِرَ عَقْلَكَ إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَيَكْدَحُونَ فِيهِ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى فِيهِمْ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}

(٢٦٥١) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.»

(١١٢) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.»


= حتى يؤثر فيه (قضي عليهم) بصيغة المجهول، أي قدر فعله عليهم (ومضى عليهم) بصيغة المعلوم، أي نفذ في حقهم (من قدر ما سبق) في الأزل، و "من" بيان لقوله: "شيء" (أو فيما يستقبلون به) بصيغة المجهول، ومعناه ما سبق، أي إنه كائن في الزمان الذي يستقبلونه، وليس بمقدر في الأزل (مما أتاهم به نبيهم) بيان لما في قوله "ما يعمل الناس" (وثبتت الحجة عليهم) بظهور صدق النبي بالمعجزات، أي إن الذي جاء به النبي من دين الله وأمره ونهيه، ويعمل به الناس أو يخالفونه هل هذا كان مقدرًا في الأزل، أم هو شيء مستأنف يحدث حين يقدم عليه الإنسان دون أن يكون له قضاء وقدر سابق؟ (أفلا يكون ظلمًا؟ ) أن يؤاخد الإنسان ويعاقب على عمل قدر له في الأزل (لأحزر عقلك) أي لأقدر عقلك، فأعرف كم عندك من عقل وفهم ومعرفة {وَنَفْسٍ} أي وكل نفس {وَمَا سَوَّاهَا} ما مصدرية أو موصوله، ومعنى سواها خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨] أي بين لها طريق الخير والشر، وهداها إلى ما قدر لها في الأزل. ووجه الاستدلال من الآية أن "ألهمها" بلفظ الماضي يدل على أن ما يعملونه من الخير والشر قد جرى إلهامهما قبل قيامهم بهما. ثم السياق يفيد أن هذا الفجور أو التقوى كانا مقررين لهم قبل هذا الإلهام. والفطرة تشعر بوجود هذا الإلهام في النفس.
١١ - قوله: (ثم يختم له عمله بعمل أهل النار) وقد دلت التجارب على أن هذا يحصل فيمن يكمن في نفسه رغبة باطلة أو طمعًا خبيثًا يغطي عليهما بأعماله الصالحة الظاهرة، فتغلب عليه تلك الرغبة أو الطمع في آخر أوقاته، حتى يقوم بتنفيذهما ويموت على ذلك، وبعكس هذا فيمن يموت على عمل أهل الجنة، إلا أن هذا ليس بمطرد في انقلاب المرء من الخير إلى الشر أو عكسه، فليكن الإنسان على حذر، ولا يقع في غرور النفس إذا وجد منها صلاحًا وميلًا إلى الخير، وليطلب من الله التوفيق والسداد الدائم وحسن الخاتمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>