للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ؛ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا

أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ (قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: ) وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا (أَوْ ضُلَّالًا) يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ » قَالَ: ابْنُ حَبِيبٍ فِي رِوَايَتِهِ: وَرَجَبُ مُضَرَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي.

(٠٠٠) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، حَتَّى


= والشهر والفصل ومدار دوران الشمس كلها طابقت تمامًا لما كانت عليه يوم خلق السماوات والأرض وبدء الليل والنهار، يقول الفلكيون إن السنين القمرية تنقسم إلى دورين: صغير وكبير، والدور الصغير يعود بعد كل ثلاثين سنة قمرية، ويشبه كل دور صغير دوره السابق من حيث إن الشهور القمرية كما تكون تسعًا وعشرين أو ثلاثين يومًا في الدور السابق كذلك تكون تسعًا وعشرين أو ثلاثين يومًا في الدور اللاحق، أما الدور الكبير فهو يعود بعد ٢١٠ سنوات قمرية، وهو يوافق ما سبقه من الدور الكبير سنة وشهرًا ويومًا، أي إن الأيام التي تبدأ فيها السنوات والأشهر وكذا عدد أيام هذه السنوات والأشهر يكون بالترتيب كما كان في الدور السابق، أفاد ذلك العلامة المنصورفوري في كتابه "رحمة للعالمين" وبهذا التوضيح يمكن فهم معنى مطابقة الأيام أو استدارة الزمان لما كان عليه يوم خلق السماوات والأرض (منها أربعة حرم) يحرم فيها القتال والاشتجار (ورجب، شهر مضر ... إلخ) نسب شهر رجب إلى مضر لأنهم كانوا يعظمونه ويتمسكون بحرمته أكثر من غيرهم (أي شهر هذا؟ ) أي الذي كانوا فيه يوم خطبته - صلى الله عليه وسلم - هذه التي خطبها يوم النحر، ومعلوم أنه شهر ذي الحجة، وإنما سألهم تلك الأسئلة الثلاثة لينبههم بعظم حرمتها على عظم حرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم (أليس البلدة) أي مكة، وكانت تعرف بالبلدة والبلد الأمين وغيرهما من الأسماء، والمراد منطقة الحرم المكي (قال محمد) أي محمد بن سيرين الراوي عن ابن أبي بكرة (فلا ترجعن بعدي كفارًا) بأن تفعلوا فعلهم في قتل بعضكم بعضًا. أو بأن تكفروا بحرمة دماء المسلمين فيقتل بعضكم بعضًا، فقتال المسلمين فيما بينهم كفر، ولكنه كفر دون كفر، وليس بكفر مخرج عن الملة إلا إذا كان على سبيل الاستحلال، وقد حمله الخوارج على ظاهره بدون تأويل. وهو مردود عليهم لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩] فسماهم مؤمنين مع اقتتالهم فيما بينهم (أوعى) أي أحفظ وأتقى وأفهم (من بعض من سمعه) من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
٣٠ - قوله: (لما كان ذلك اليوم) أي يوم النحر من حجته - صلى الله عليه وسلم -، لما مر في الحديث السابق ولما سيأتي (وأخذ إنسان بخطامه) لئلا يضطرب البعير، والظاهر أن ذلك الإنسان هو عمرو بن خارجة رضي الله عنه، فقد روى الترمذي وأحمد عنه أنه قال: "خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى، وهو على راحلته، ولعابها يسيل على كتفي" (ثم انكفأ) أي انقلب وانصرف (أملحين) الأملح الذي فيه بياض وسواد، والبياض أكثر (جزيعة) بالتصغير، ورواه بعضهم مكبرًا، وهي =

<<  <  ج: ص:  >  >>