للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.»

(١٧٩٦) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: «دَمِيَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ فَقَالَ:

هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ.»

(٠٠٠) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنُكِبَتْ إِصْبَعُهُ».


= إليه وقع بأرض الطائف، فلا يراد بالعقبة هنا عقبة مني، وإنما يراد بها عقبة الطائف، وهي عند الموضع الذي يخرج منه من الطائف في الطريق القديم إلى مكة، والذي لقيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هناك هو أن أهل الطائف أغروا به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفهاءهم وعبيدهم حين أراد الخروج من الطائف، وكان قد مكث بها عشرة أيام، فاجتمعوا هناك، ووقفوا صفين، وأخذوا يسبونه، ويصيحون به، ويرمونه بالحجارة، ورجموا عراقيبه حتى اختضب نعلاه بالدماء (فانطلقت) من الطائف (وأنا مهموم) أصابني هم وحزن (على وجهي) أي على الجهة المواجهة لي (فلم استفق) استفعال من الإفاقة، أي فلم أفطن لشيء سوى الهم الذي لحقني، ولم أنتبه للحال ولا للمكان الذي أنا فيه أو ذاهب إليه (إلَّا بقرن الثعالب) هو قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد، وقيل: غيره، والصواب الأول، وهو على رأس السيل الكبير، يبعد عن مكة ثمانين كيلومترًا شرقًا، وعن الطائف ثلاثة وخمسين كيلومترًا شمالًا غربيًّا، والقرن بسكون الراء: كلّ جبل صغير منقطع عن جبل كبير (فما شئت) أي الذي تريده أفعل (إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين) شرط جزاؤه محذوف، أي أطبقت، والأخشبان جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله، وهو قعيقعان، وقال الصغاني: هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قعيقعان، سميا بالأخشبين لصلابتهما وغلظ حجارتهما، والمراد بإطباقهما أن يلتقيا على من بمكة، وربما يتساءل الرجل لماذا سأل ملك الجبال تعذيب أهل مكة، والذين فعلوا به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما فعلوه هم أهل الطائف؟ والجواب أن أهل مكة هم الذين أوصلوه إلى هذا الحال، وهم الذين كانت قد بلغتهم الدعوة تمامًا، وأقيمت عليهم الحجة، أما أهل الطائف فلم تبلغ عامتهم الدعوة، ولم تكن قد أقيمت عليهم الحجة، فكان أهل مكة هم أولى بالعذاب لو قرر الله تعذيبهم.
١١٢ - قوله: (دميت) أي جرحت حتى خرج منها الدم (في بعض تلك المشاهد) أي الغزوات (ما لقيت) أي الذي لقيته من الجره.
١١٣ - قوله: (في غار) قيل: لعله تصحيف، وكان الأصل "في غزو" فيطابق الحديث السابق، وقيل: المراد بالغار الجيش، ومنه قول علي رضي الله عنه "ما ظنك بامرىء جمع بين هذين الغارين" أي العسكرين. قلت: ولا يستبعد أن يكون الغار على أصله، وأن إصبعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جرحت في بعض الغزوات حال كونه في غار (فنكبت) بالبناء =

<<  <  ج: ص:  >  >>