للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ. قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ, فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ, فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ, قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلَاتِ يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزٌ, يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ, فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دَعُوهُمْ, يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ. فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ, فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي لِحْيَانَ جَبَلٌ, وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ, فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ رَقِيَ هَذَا الْجَبَلَ اللَّيْلَةَ, كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ, قَالَ سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ, فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ, وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ, فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ, وَقَتَلَ رَاعِيَهُ, قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ, خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ, وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ , قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ, فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا: يَا صَبَاحَاهْ! ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ, وَأَرْتَجِزُ أَقُولُ:

أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ, فَأَصُكُّ سَهْمًا فِي رَحْلِهِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ. قَالَ: قُلْتُ:

خُذْهَا


= القرشي، فولدت له أمية الأصغر ونوفلًا وعبد الله، فبطونهم تسمى بالعبلات، واحدها عبلي (على فرس مجفف) بصيغة اسم المفعول من التجفيف، أي عليه تجفات بكسر التاء، وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه من السلاح، وجمعه تجافيف (بدء الفجور) أي ابتداؤه، والفجور هنا التعرض للحرب والسعى لها (وثناه) بكسر الثاء، أي العودة إلى الفجور مرّة ثانية، أو المراد يخرج منهم الفجور ويرجع إليهم {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} [الفتح: ٢٤] وذلك بأنهم نزلوا إليكم مع سلاحهم لقتالكم، ولم يقدروا على ذلك، بل أخذوا وأسروا {وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} وذلك بأن قدرتم عليهم وأخذتموهم، ولكن الله ألقى في قلوبكم أن تطلقوهم بدل أن تقتلوهم أو تنتقموا منهم (كأنه طليعة) يحرس المسلمين، ويطلع على أحوال بني لحيان وقصدهم، حتى إذا وجد فيهم حركات وتنقلات يخبر المسلمين فلا يصابوا على غرة (بظهره) الظهر: الإبل التي تعد للركوب وحمل الأثقال (مع رباح غلام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تقدم أنه لقيه غلام لعبد الرَّحمن بن عوف، ولم يتبين أنه رباح أو غيره، فإن كان رباح فكأنه كان غلامًا لعبد الرَّحمن بن عوف، وخادمًا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو كان غلامًا له أولًا ثم لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخيرًا (أنديه) من التندية، وهو ورد الماشية على الماء ثم المرعي، ثم الماء ثم المرعي، ويبدو من سياق هذا الحديث أنه كان في الغابة حين وقعت الغارة، ويفيد الحديث السابق أنه لَمْ يكن بها، بل خرج من المدينة، وعلم ذلك بواسطة الغلام، ويؤيده لفظ رواية الطبراني: "فصعدت في سلع ثم صحت" فإن جبل سلع بالمدينة، وليس بالغابة، وعند الواقدي أنه =

<<  <  ج: ص:  >  >>