= "حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن" وقد فسر ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخيل إليه أنه وطىء زوجاته ولم يكن قد وطأهن، وهذا التخييل يقع للإنسان في المنام، فوقع له - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة لأجل السحر، وهذا يفيد أن أثر السحر لم يقع على جانب من جوانب نبوته ورسالته - صلى الله عليه وسلم -، وإنما وقع على فعل من أفعاله الدنيوية الخاصة به، ولم يكن قد بعث لأجله، ولا كانت رسالته له. فلا ينطبق على هذا ما حكاه الله عن الكفار من قولهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: ٤٧] لأنهم أرادوا أنه مسحور فيما يدعيه من النبوة والرسالة. ولم يكن لهذا السحر أدنى أثر في هذا الجانب، ثم الحديث يفيد أن هذا الأثر إنما كان إلى حد التخييل، وإصابة الرسول بالسحر إلى هذا الحد مما ثبت بالقرآن. قال تعالى في قصة موسى عليه السلام وسحرة فرعون: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦] وقد ثبت بهذا أن الذين رفضوا هذا الحديث من المتكلمين ومن حذا حذوهم بحجة أنه ينافي منصب النبوة والرسالة فقد رفضوا القرآن من حيث يشعرون أو لا يشعرون (أشعرت؟ ) أي أعلمت؟ (أفتاني فيما استفتيته) أي أجابني فيما دعوته، وأخبرني عما سألت عنه (جاءني رجلان) أي ملكان في صورة رجلين، وهما جبرئيل وميكائيل (ما وجع الرجل) أي مرضه (مطبوب) أي مسحور، يقال: طب الرجل بالضم، إذا سحر، قيل: أصل الطب الحذق بالشيء والتفطن له، وحيث إن السحر يشتمل على شيء كبير من الحذق فقد أطلق عليه الطب (في مشط) بالضم ويجوز بالكسر والسكون، وقد يأتي بضمتين: آلة معروفة يسرح بها شعر الرأس واللحية (ومشاطة) بالضم: ما سقط من شعر الرأس واللحية إذا سرح بالمشط (وجب طلعة ذكر) الجب بالضم وتشديد الباء الموحدة، ويأتي بالفاء بدل الباء، ومعناهما واحد، وهو الغشاء الذي يكون على طلع النخل، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده بالذكر (في بئر ذي أروان) بئر في بني زريق، وأطلق عليها "بئر ذروان" تخفيفًا وتسهيلًا (نقاعة الحناء) بضم النون وتخفيف القاف، والحناء معروف، أي لون ماء البئر لون الماء الذي ينقع فيه الحناء. يعني أحمر. وقيل: نقاعة الحناء: غسالة الإناء الذي تعجن فيه الحناء، يعني أخضر (ولكأن نخلها) وعند البخاري في الطب في باب السحر "وكأن رءوس نخلها" فهو المراد (رءوس الشياطين) أي في القبح وخبث المنظر، ويفسرها لفظ رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي في الدلائل: "فإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه، كأنه رءوس الشياطين" (أفلا أحرقته) من الإحراق وعند البخاري أفلا أخرجته، وضمير المفعول للسحر، والمراد به المسحور فيه، وهو الطلع وما كان فيه من المشط والمشاطة، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أخرجه، ولو لم يخرجه لم يطلع عليه، فالمراد بالإخراج في هذا الحديث شيء أو عمل يزيد على مجرد الإخراج، والذي يفهم من السياق أنه قلب ضرر السحر وصرفه إلى الساحر، ولعله كان يحل بإحراق ما سحر فيه مع إتيان بعض الأعمال معه، فلذلك وقع السؤال عن الإحراق، وهذا العمل - أي صرت أثر السحر إلى الساحر - يقوم به غالبا السحار المعارضون له، ويرجى أن يحصل ذلك بالرقى الشرعية من الذكر والدعاء والقراءة. وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على صحة ذلك وجوازه، وأنه إنما تركه دفعًا للمفسدة، وهي إثارة الشر بين الناس، لأنه لو رد عليه كان يخشى ردة أقاربه وشرهم، ولأن هذا لا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر، فلو فعل ذلك لأفضى إلى تعلم السحر وانتشاره في أمته بهذه الحيلة، ولكان سببًا شبه دائم لوقوع الشر بين فريقين منها، ولو =