للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِيَ الْأَنْصَارَ. فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِيَ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ - وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ - نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ وَالْأُخْرَى

جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ. قَالَ: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ.»

(٠٠٠) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: «أَرَأَيْتَ أَنَّهُ لَوْ رَعَى الْجَدْبَةَ وَتَرَكَ الْخَصْبَةَ أَكُنْتَ مُعَجِّزَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَسِرْ إِذًا. قَالَ: فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: هَذَا الْمَحَلُّ - أَوْ قَالَ: هَذَا الْمَنْزِلُ - إِنْ شَاءَ اللهُ».

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: عَبْدَ اللهِ بْنَ


= أسلموا عند فتح مكة ثم تحولوا إلى المدينة، وهذا وإن لم يكن له حكم الهجرة لأن مكة صارت بعد الفتح دار إسلام، إلا أن تحولهم إلى المدينة إنما كان لطلب العلم والجهاد ونحو ذلك من أمور الدين، فكان لهم نوع من الفضل على من بقي بمكة، ولعل عمر خصهم في المشورة دون بقية مسلمة الفتح لأجل ذلك (مصبح على ظهر) أي مسافر، راكب صباحًا على ظهر الراحلة، للرجوع إلى المدينة من حيث جئت (أفرارًا من قدر الله) أي أترجع فرارًا من قدر الله (لو غيرك قالها) لو هنا للتمني، أي ليت غيرك قال هذه المقولة، لأنني يشق عليّ مخالفتك، وكان أبو عبيدة من أعز الناس على عمر، حتى إنه تمنى عند موته أن أبا عبيدة لو كان حيًّا لجعله خليفة (له عدوتان) بضم العين وكسرها وبسكون الدال، أي طرفان، وجانبان، وقيل: العدوة المكان المرتفع من الوادي، وهو شاطئه (خصيبة) وفي نسخة: (خصبة) فيها خضرة ونبات (جدبة) يابسة لا خضرة فيها ولا نبات، والكلمتان بفتح فكسر، ويجوز إسكان الثاني، يريد أن رعي الطرفين بقدر الله، ولكن ليس أحد يختار رعي الجدبة بدل الخصبة، فكذلك الورود على مكان الوباء والرجوع إلى مكان الصحة كلاهما بقدر الله. ولكن ليس من المعقول اختيار الوباء على الصحة (فحمد الله عمر بن الخطاب) إذ صادف رأيه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
٩٩ - قوله: (أكنت معجزه؟ ) اسم فاعل من التعجيز، أي هل تنسبه إلى العجز؟ والعجز عدم القدرة على الشيء أو عدم القدرة على الأمر الصواب، وهذا الأخير هو المراد هنا. (فسر إذًا) أي لا تمانع في السير (هذا المحل) أي موضع الحلول وهو النزول، فهو بمعنى المنزل، وهو بكسر الحاء قال تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] ويجوز فتح الحاء أيضًا. لأن مضارعه يأتي بالضم والكسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>