للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، وَقَالَ: أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ. فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ، وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ صَاحِبِ أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟ فَقَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي مُسْرِعٌ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِيَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ. فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ طَابَةُ وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ خَيْرَ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ. فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَنَا آخِرًا، فَأَدْرَكَ سَعْدٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَيَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرًا! فَقَالَ: أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ.»

(٠٠٠) حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ. (ح) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ - قَالَا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا

عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ: وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ: فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


= الخرص، وهو التقدير والتخمين، أي احزروا الحديقة، كم يجيء ثمرها (أوسق) بفتح الهمزة وضم السين، جمع وسق، وقد تقدم أن الوسق ستون صاعًا (أحصيها) أي اضبطي مقدارها (عقاله) هو الحبل الذي يعقل به البعير، أي يشد في رجله (بجبلي طيء) هما جبلان متقابلان معروفان، يسمى أحدهما أجأ، والآخر سلمى، والمدينة الواقعة بين هذين الجبلين تعرف الآن بمدينة حائل، وهي على شرق جنوب تبوك، وطيىءٍ على وزن سيد: قبيلة يمنية قديمة شهيرة (ابن العلماء) بفتح العين وسكون اللام ممدودًا، تأنيث الأعلم، وهو من تكون شفته العلياء مشقوقة، فكأن أمه كانت كذلك، والله أعلم. (صاحب أيلة) واسمه يحنه بن رؤبة، وأيلة بفتح فسكون، مدينة في فلسطين على ساحل خليج العقبة، وقد صالح صاحب أيلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إعطاء الجزية (وأهدى له بغلة بيضاء) وهذه غير بغلة دلدل، وقد توهم من ظنهما واحدة، وإنما كان دلدل من هدايا المقوقس حين ذهب إليه حاطب بن أبي بلتعة بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوائل سنة سبع، وذلك قبل تبوك بسنتين ونصف سنة تقريبًا، وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث بغال على الأقل في أوقات متفرقة (ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج) هم بنو الحارث بن الخزرج، وزيادة "عبد" فيه ليست بصحيحة، وقد رواه البخاري في المناقب على الوجه الصحيح بغير لفظ "عبد" (فقال أبو أسيد) وهو من بني ساعدة (خيَّر دور الأنصار) أي فضل قبائلها (فجعلتنا آخرًا) لأن سعد بن عبادة كان من بني ساعدة ورئيسهم، وهي آخر القبائل الأربع التي عدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أوليس بحسبكم) بسكون السين، أي كافيكم (من الخيار) أي الأفاضل، وكأن المفاضلة بينهم وقعت بحسب السبق إلى الإسلام، وبحسب مساعيهم في إعلاء كلمة الله ونحو ذلك.
١٢ - قوله: (كتب له) هذا هو الأوفق، لأنه حضر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبوك، وكتب له حينذاك (ببحرهم) أي ببلدهم ومنطقتهم، يعني أقرهم عليها، أو المعنى أنه أعطى لهم الأمان في برهم وبحرهم، والمعنى الأول أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>