= الرواية وهم، وكأنه فهم أن الفتى لم يخبر موسى إلا بعد يوم وليلة، وليس ذلك المراد، بل المراد أن ابتداءها من يوم خرجا بطلبه، ويوضح ذلك ما في رواية أبي إسحاق عند مسلم "فلما تجاوزا قال لفتاه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: ٦٢] قال: ولم يصبه نصب حتى تجاوزا" وفي رواية سفيان المذكورة - أي في صحيح البخاري برقم ٢٧٢٥ - "ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به". انتهى، والمقصود أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وهو أنهما انطلقا الليلة، ثم النهار حتى استراحا، فلما جاوزا مكان الاستراحة أحس موسى بالنصب وطلب الغداء، وهذا أيضًا يفيد أنه كان في أرض سيناء في مكان يمكن الوصول إليه بسفر نحو يوم وليلة، بل بنحو النصف من ذلك، مشيًا على الأقدام، وهو يبطل المتاهات التي دخل فيها المفسرون (نصبا) بفتحتين أي تعبا (نبغي) أي نطلب (يقصان آثارهما) أي يتبعان آثار سيرهما (مسجى) أي مغطى (أنَّى بأرضك السلام؟ ) أنَّى بمعنى أين أو كيف، وهو استفهام استبعاد، يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين، وهذا يدل على أنه كان يسكن قريبًا من مساكن الناس أو في وسطهم، ولذلك كانوا يعرفونه كما سيأتي، وأنه لم يكن يعرف من الغيب إلا ما علمه الله حتى لم يعرف موسى (لا أعلمه) أي لا أعلم جميعه، لأن الخضر كان يعلم من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه، وكذلك معنى قوله: (لا تعلمه) أي لا تعلم جميعه، لأن موسى كان يعرف من الحكم الباطن ما كان يأتيه عن طريق الوحي (بغير نول) بفتح النون وسكون الواو، أي بغير أجرة (لقد جئت شيئًا إمرا) أي منكزا أو عظيمًا (ولا ترهقني من أمري عسرًا) من رهقه غشيه، وأرهقه أغشاه، أي لا تغشني عسرًا، يعني لا تعسر علي متابعتك (فاقتلعه) أي فصله عن عنقه (نفسًا زكية) أي طاهرة لم تعمل الذنوب (بغير نفس) أي من غير أن يكون قتل نفسًا فيقتل قصاصًا (شيئًا نكرًا) أي منكرًا (قد بلغت من =