للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ

ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا، كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ


= وتخصيصه بالألوهية والعبادة، حال كوننا أفقر ما كنا إليهم، فكيف نصاحبهم اليوم ولسنا في حاجة إليهم (ليكاد أن ينقلب) أي يرجع عن الصواب لشدة ما يجرى في ذلك الوقت من الامتحان (فيكشف عن ساق) الصواب حمله على ظاهره وإحالة علم كيفيته إلى الله سبحانه وتعالى، كبقية الصفات، وقد جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة, ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا" ففيه نسبة الساق إلى الله سبحانه، ولا يتأتى فيه من التأويل ما يتأتى في الصيغة المبنية للمفعول، نعم روى ابن جرير عن ابن عباس قال: هي أشد ساعة تكون في يوم القيامة. قوله: (خر على قفاه) أي سقط على مؤخر رأسه، أي تلقاء ظهره (ثم يضرب الجسر) بفتح الجيم وكسرها: الصراط (وتحل الشفاعة) بكسر الحاء وقيل بضمها، أي تقع الشفاعة ويؤذن فيها (دحض مزلة) دحض بفتح فسكون، ومزلة بفتحتين أو بفتح فكسر مع تشديد اللام، معناهما واحد وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر (فيه خطاطيف وكلاليب وحسك) خطاطيف جمع خطاف بضم الخاء، وكلاليب: جمع كلوب بفتح الكاف وتشديد اللام معناهما واحد، وهي الحديدة المعوجة الرأس، يعلق فيها اللحم، وترسل في التنور، وحسك: شوك صلب، وهو شوك السعدان (وكأجاويد الخيل والركاب) أجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو جيد الجري من المطى، والركاب: الإبل (فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم) أي المارون على الصراط ثلاثة أقسام: قسم ينجو ويسلم فلا يناله شيء أصلا. وقسم: يخدش ثم يرسل. وقسم: يكردس ويلقى فيسقط في جهنم، والمكدوس أن يكون بعضه فوق بعض. قوله: (فوالذي نفسي بيده! ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله - يوم القيامة - لإخوانهم الذين في النار) معناه: ما من أحد منكم يناشد الله تعالى في الدنيا، في استقصاء حقه وتحصيله من خصمه والمتعدى عليه، بأشد من مناشدة المؤمنين الله تعالى في الشفاعة لإخوانهم يوم القيامة (مثقال دينار من خير) المراد بالخير هنا: الإيمان فقد ورد ذلك صريحًا في كثير من الروايات، وفيه دليل على أن الإيمان يزيد وينقص وليس نقصه وزيادته بنقص أعمال الجوارح وزيادتها فقط، بل يقع هذا النقص والزيادة في أصل الإيمان =

<<  <  ج: ص:  >  >>