للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَابِطَانِ، قَالَ: مَا لَكُمَا؟ قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا! قَالَ: مَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ! وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ. قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ. قَالَ: إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ. فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي

قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ، وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ، وَقَالَ نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي، وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِخْوَتُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ. فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غِفَارٌ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ.»


= شيء، ولكن غالب ما يكنى بهما عن الفرج والذكر (غير أني لا أكني) يريد أنه قال كلمة فاحشة بالصراحة دون إشارة ولا كناية، فكأنه قال: ذكر من خشبة في الفرج، وأراد بذلك سب إساف ونائلة وغيظ المرأتين (تولولان) أي تصيحان وتدعوان بالويل والثبور ونحو ذلك (من أنفارنا) جمع نفر أو نفير أي من عشيرتنا وأهل بيتنا (وهما هابطان) أي نازلان من فوق مكة، وهي جهة البطحاء والمعلاة، وكان بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الجهة (كلمة تملأ الفم) كراهة وقبحًا، أي إنها شديدة القبح، فكأنها ملأت الفم بقبحها، ولم تترك مجالًا للجواب أو الحكاية (فقدعني) أي كفني ومنعني من أخذ يده (طعام طعم) بضم الطاء وسكون العين، أي إنها تسد مسد الطعام، وتشبع شاربها وتقويه كما يشبع الطعام ويقوي (غبرت ما غبرت) أي بقيت ما بقيت، عند أبي بكر رضي الله عنه (وجهت لي أرض) أي بينت لي أرض يتجه ويهاجر إليها المسلمون (لا أراها) ضبط بفتح الهمزة، وبضمها، أي لا أعتقدها ولا أظنها (إلا يثرب) بفتح فسكون فكسر، اسم المدينة في الجاهلية، وقد ورد النهي عن هذه التسمية في الحديث (إيماء بن رحضة) بكسر الهمزة، على وزن المصدر، وبفتحها، ورحضة بفتحات (وجاءت أسلم) قبيلة معروفة من قبائل أزد اليمنية، والحديث يفيد أن إسلام أبي ذر رضي الله عنه لم يكن في بداية ظهوره - صلى الله عليه وسلم -، بل كان في أواخر العهد المكي، بعد أن أري النبي - صلى الله عليه وسلم - دار هجرة المسلمين، ولم تكن قد تعينت له.

<<  <  ج: ص:  >  >>