للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ، وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ. قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ.»

(٠٠٠) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ. (ح) وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. (ح) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ. (ح) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو كُرَيْبٍ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى)، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ رَجُلٌ فَقَالَ: تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ، يُفَسِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قَالَ: يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ، فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللهُ أَعْلَمُ، مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا: أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرِ اللهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ


= بسبع سنوات من القحط والجدب (كسبع يوسف) أي كما وقع في زمانه عليه السلام من القحط في السنين السبع، وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها، أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها (فأخذتهم سنة) أي أصابهم قحط (حصت كلّ شيء) أي استأصلت كلّ النبات حتى خلت منه الأرض (فأتاه أبو سفيان) الأموي والد معاوية (فادع الله لهم) أي فدعا لهم كما في الطريق الآتي، وفي صحيح البخاري في الدخان "فاستسقى لهم فسقوا" ثم قرأ ابن مسعود آيات من سورة الدخان، واستدل بها للرد على ذلك القاص، وحاصل رده أن الله أخبرهم أنكم تعودون إلى كفركم وبغيكم بعد كشف القليل من العذاب، وعذاب الآخرة لا يكشف (واللزام) المذكور في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: ٧٧] أي يكون عذابهم لازمًا، وهو ما جرى عليهم يوم بدر من الهزيمة والقتل والأسر، وهو المراد بالبطشة الكبرى أيضًا (وآية الروم) وهي المذكورة في قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: ٢ - ٤] وقد كان الروم مغلوبين من الفرس عند نزول هذه الآيات، ثم حصلت لهم الغلبة على الفرس مع غلبة المسلمين في بدر إلى أن تمت غلبتهم زمن الحديبية. وهذا الذي أنكره ابن مسعود من ظهور الدخان قرب الساعة قد ثبت عند المصنّف وغيره في جملة عشر آيات للساعة وأشراطها، ولا مانع من ظهور آية الدخان مرتين، مرّة في حياة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومرة قرب الساعة.
٤٠ - قوله: (وجهد) أي جوع ومشقة شديدة (استغفر الله لمضر) إنما قال: "لمضر" لأنَّ غالبهم كانوا بالقرب من مياه الحجاز، ولما وقع القحط سرى من قريش إلى من جاورهم، فحسن الدعاء لهم، وكأن فيه إشارة إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا فيحسن الدعاء لهم، ثم لا يخفى أن قريشًا من جملة مضر، فكان التوسل لقريش بمضر من حسن الطلب (فقال: لمضر؟ ) أي أتطلب مني أن أدعو لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك بالله (إنك لجريء) حيث تطلب ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>