للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَبِيَ (١) عَلَيْهِ طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ، فَلَا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِي الْقَدْرِ (٢) عَنْ دَرَجَتِهِ، وَلَا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ، مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٣)، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ قَوْمٍ هُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَّهَمُونَ، أَوْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ، فَلَسْنَا نَتَشَاغَلُ بِتَخْرِيجِ حَدِيثِهِمْ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ مِسْوَرٍ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الْقُدُّوسِ الشَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ، وَغِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ، وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِوَضْعِ الْأَحَادِيثِ وَتَوْلِيدِ (٤) الْأَخْبَارِ.

وَكَذَلِكَ مَنِ الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْمُنْكَرُ أَوِ الْغَلَطُ، أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ، وَعَلَامَةُ الْمُنْكَرِ فِي حَدِيثِ الْمُحَدِّثِ، إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ أَوْ لَمْ تَكَدْ (٥) تُوَافِقُهَا، فَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ، كَانَ مَهْجُورَ الْحَدِيثِ غَيْرَ مَقْبُولِهِ وَلَا مُسْتَعْمَلِهِ، فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَرَّرٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَالْجَرَّاحُ بْنُ


(١) قوله: (غبي) بفتح الغين وكسر الباء، فعل ماض، أي خفى واستتر.
(٢) قوله: (متضع القدر) أي منحط القدر ومنخفضه.
(٣) وقد وفى الإمام مسلم بذلك فأتى بكلا القسمين من الأخبار في صحيحه على القول الصحيح.
(٤) قوله: (توليد الأخبار) أي إنشائها واختلاقها، والجماعة المذكورون كلهم متروكون متهمون بوضع الأحاديث معروفون بذلك، قال أحمد بن حنبل وغيره عن أبي جعفر المدائني: أحاديثه موضوعة، وأما عمرو بن خالد فهو متروك، رماه وكيع بالكذب، وأما عبد القدوس بن حبيب الشامي فأجمع أهل العلم على ترك حديثه، وقال عبد الرزاق: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلَّا لعبد القدوس، وأما محمد بن سعيد المصلوب فكان آفة من الآفات، قال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث، وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة وصلبه، وقد قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفوه، وأما غياث بن إبراهيم فقال البخاري: تركوه، وقال الجوزجاني: كان فيما سمعت غير واحد يقول: يضع الحديث: وأما أبو داود سليمان بن عمرو النخعي فكان أكذب الناس، أجمعوا على أنَّه كان يضع الحديث.
(٥) قوله: (لم تكد توافقها) أي لا توافقها إلَّا نادرًا قليلًا، والأغلب هو المخالفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>