= وأرجلها، والمراد بالرفع المنهي عنه هنا: رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين كما صرح به في الرواية الثانية (حلقًا) بكسر ففتح جمع حلقة وهو الجلوس في شبه الدائرة، وحيث إنهم كانوا في حلقات متعددة هنا وهناك، فقال: (ما لي أراكم عزين) أي متفرقين، لستم في مكان واحد ولا في حلقة واحدة (يتراصون في الصف) أي يتلاصقون ويترابطون بحيث يلزق كل واحد قدمه بقدم الآخر ومنكبه بمنكب الآخر مأخوذ من رص الجدار أو البناء، وهو إتقانه بإلصاق لبناته أو آجره بعضه ببعض من غير أن يترك فيه فرجة أو خلل، فكذلك رص الصفوف يكون بانضمام المصلين بعضهم إلى بعض بإلزاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب، وبسد الفرجة والخلل. والحديث طالما اتخذه الحنفية تكأة للقول بنسخ رفع اليدين قبل الركوع وبعده، وبذلوا جهد أنفسهم لإثبات التغاير بين هذا الحديث والحديث الآتي، والحق أن الأول مختصر من الثاني لأن مخرج الحديثين واحد، والثاني يبين موضع إنكار رفع الأيدي، وهو عند السلام - إشارة إلى الجانبين - فلا دلالة فيه على منع الرفع على الهيئة المخصوصة في المواضع المخصوصة، وهو قبل الركوع وبعده. ولو كان فيه الإنكار على رفع اليدين قبل الركوع وبعده لكان فيه تقبيح بعد تشريع بلا تقديم النهي، وهو غير معقول، ثم في ادعاء التغاير بين الحديثين نسبة سوء الفهم إلى الصحابة، فإن الحديث الأول إن كان ورد أولًا وفيه الإنكار على رفع الأيدي مطلقًا فبعيد من الصحابة أن يستمروا بعد ذلك على رفع الأيدي عند السلام، حتى يحتاجوا إلى نهي مستقل آخر - عن رفع الأيدي عند السلام - وإن كان الحديث الثاني ورد أولًا، وفيه النهي عن رفع الأيدي عند السلام، وهو يشمل نهي الرفع قبل الركوع وبعده بطريق الأولى - كما يزعم الحنفية - فبعيد من الصحابة أن يستمروا بعد ذلك على رفع اليدين قبل الركوع وبعده، ولا يتركوه حتى يحتاجوا إلى الإنكار عليه. وأيضًا الإنكار على رفع الأيدي في الحديث الأول لو كان مطلقًا - كما زعموا - لكان ناسخًا لرفعهما في افتتاح الصلاة، إذ من العجيب أن تفتتح الصلاة بأمر قبيح منكر عليه، وكذلك كان ناسخًا في القنوت وفي تكبيرات العيدين أيضًا. فالقول بسنية رفع اليدين في هذه المواضع وبنسخه في مواضع أخرى مع كون الناسخ مطلقًا وعاما قول بالتناقض، وتحكم لا يخفى.