للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا! ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ، فَقَرَأْتُ فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».


= فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه على ما نزل أخيرًا، فنشأ اختلافهما من ذلك. قاله الحافظ في الفتح (فكدت أن أعجل عليه) أي في الإنكار عليه والتعرض له. ماض من العجلة وقيل: من التعجيل (ثم أمهلته حتى انصرف) أي من الصلاة بالتسليم (ثم لببته) بفتح اللام وموحدتين، الأولى مشددة، والثانية ساكنة، مأخوذ من اللبة بفتح اللام، وهي المنحر، يقال: لببت الرجل - بالتشديد - تلبيبًا، إذا جمعت ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جررته (أرسله) أي أطلق يا عمر هشامًا (اقرأ) يا هشام (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) وهذه الأحرف السبعة مفرقة في القرآن، وليس المراد أن كل كلمة من القرآن تقرأ على سبعة أحرف، ثم الأكثر على أن لفظ السبعة للحصر، ويؤيده ما رواه البخاري وغيره مرفوعًا: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل استزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف". فإنه صريح في كون السبعة هي نهاية الزيادة، فتكون للحصر، وقد اختلفوا في المراد بسبعة أحرف، اختلافًا كثيرًا حتى بلغت الأقوال إلى أربعين قولًا أو أكثر، ومعظمها لا مستند لها من نص أو أثر أو لغة، ومن أحسن ما قيل إن المراد بسبعة أحرف سبع لغات مشهورة بالفصاحة من لغات العرب، فأنزل القرآن أولًا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى، للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد، كل ذلك مع اتفاق المعنى. قال الحافظ: قال ابن قتيبة في أول تفسير المشكل له: كان من تيسير الله أن أمر نبيه أن يقرأ كل قوم بلغتهم، فالهذلي يقرأ عتى حين، يريد حتى حين، والأسدي يقرأ تعلمون بكسر أوله، والتميمي يهمز، والقرشي لا يهمز. قال: ولو أراد كل فريق منهم أن يزول عن لغته وما جرى عليه لسانه طفلًا وناشئًا وكهلًا لشق عليه غاية المشقة، فيسر عليهم ذلك بمنه، ولو كان المراد أن كل كلمة منه تقرأ على سبعة أوجه لقال مثلًا أنزل سبعة أحرف، وإنما المراد أن يأتي في الكلمة وجه أو وجهان أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة. انتهى. ويؤيد هذا ما وقع في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه من الاختلاف عند نسخ المصاحف في كلمة التابوت، فقال القرشيون بالتاء على لغتهم. وقال زيد بن ثابت الأنصاري التابوه بالهاء على لغة الأنصار، فحكم عثمان بكتابته بالتاء - التابوت - واستدل على ذلك بأن القرآن نزل على لغة قريش - أي أولًا وأصلًا، نعم يعكر على هذا القول شيئًا من التعكير أن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة وقبيلة واحدة، وقد اختلفت قراءتهما، ولكن يمكن أن يقال إن اختلافهما كان في إثبات بعض الكلمات أو الآيات وإسقاطها - يؤيده قول عمر عن هشام: "فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" - وإنما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزول القرآن على سبعة أحرف عقب قصتهما لوجود المناسبة، لا لأجل أن اختلافهما كان من هذا القبيل. ولا يستبعد أن يكون بعض هذا الاختلاف في لغات بطون قريش أيضًا، ومعلوم أن عمر بن الخطاب كان من بني عدي، وهشام بن حكيم من بني أسد. والله أعلم. وقيل: المراد بسبعة أحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، نحو أقبل وتعال وهلم، وعجل وأسرع، وقيل: المراد بها الأوجه التي يقع بها التغاير إما في الحركات، مثل "ولا يضار كاتب" بنصب الراء ورفعها، وإما في الفعل مثل "بعد بين أسفارنا وباعد"، بلفظ الطلب والماضي وإما بالنقط مثل "ثم ننشرها" بالراء والزاي، وإما بإبدال حرف قريب من مخرج الآخر مثل "طلح منضود" و"طلع منضود" وإما بالتقديم والتأخير مثل "وجاءت سكرة الموت بالحق" "وجاءت سكرة الحق بالموت، وإما بالزيادة والنقصان، مثل "والذكر والأنثى" و "ما خلق الذكر والأنثى، وإما لإبدال كلمة بمرادفها مثل "كالعهن المنفوش" و"الصوف المنفوش" ويؤيد هذا ما روي من بعض الاختلاف بين الصحابة في مثل هذه الأوجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>