للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّهَارِ، قَالَ:

فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ {اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ} تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.»

(٠٠٠) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، (ح) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَا: - جَمِيعًا - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَ النَّهَارِ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُعَاذٍ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ خَطَبَ».

(٠٠٠) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنْتُ


= من الجوب وهو القطع والخرق، عبر عن لبسهم بالاجتياب لكونهم قد لفوها على جسدهم فجعلوا أنفسهم في وسطها، أو لكونهم قد خرقوها من وسطها. وأدخلوا أنفسهم فيها، والنمار بكسر النون، جمع نمرة، بفتح فكسر: ثياب صوف فيها سواد وبياض، كأنها أخذت من لون النمر (أو العباء) بالفتح والمد، جمع عباءة وعباية، نوع من الأكسية (فتمعر) أي تغير (تصدق رجل) خبر بمعنى الأمر، أي ليتصدق الرجل حسب استطاعته من الدينار والدرهم ... إلخ (بصرة) بضم الصاد وتشديد الراء أي بكيس (تعجز عنها) أي عن حملها لثقل ما فيها من الدراهم أو الدنانير لكثرتها (كومين) بالضم والفتح، فالضم معناه الصبرة والعظيم من كل شيء، والفتح معناه المكان المرتفع كالرابية، وكلاهما صحيح (يتهلل) أي يستنير فرحًا وسرورًا (مذهبة) بصيغة اسم المفعول، أي فضة مطلية أو مخلوطة بالذهب، وهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه، أما سبب سروره - صلى الله عليه وسلم - ففرحا بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله ورسوله ببذل أموالهم، ودفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقتهم على إخوانهم، وتعاونهم على البر والتقوى (من سن في الإسلام سنة حسنة) أي بدأ العمل بها قبل غيره. كما أن الذي جاء بالصرة كان هو البادىء لهذه الصدقة أو الحسنة. أما كونها حسنة فمعروف من الدين بالضرورة. وليس المراد أن من اخترع طريقا حسنا لم يكن يعرف كونها حسنا في الدين من قبل فله أجره، فإن ما لا يعرف كونه حسنا في الدين لا يكون حسنا قط. وتبين بهذا فساد ما ذهب إليه البعض من تقسيم البدعة إلى الحسنة والسيئة. فإن كل بدعة ضلالة. والأمر لا يخلو إما أن يكون حسنا فلا يكون بدعة، أو يكون بدعة فلا يكون حسنا. ولو ظهر في بادىء الرأي أنه حسن. فمثلا الصلاة حسنة، ولكن زيادة بعض الركعات في الفرائض سيئة جدًّا، يستتاب عنها الرجل. وكذا كلمة "محمد رسول الله" كلمة حسنة جدًّا، ولكن زيادتها في آخر الأذان سيئة جدًّا يستتاب عنها الرجل. وهكذا الأمر في جميع الحسنات لا تغير ولا تبدل ولا تزاد ولا تنقص عما ورد عليه الشرع. ولا يقال لها: حسنة، إلا إذا وافقت الشرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>